ألوّث رئتيّ بنيكوتين سيجارة من النوع الرخيص كتمرينٍ أوليّ على جوّ المدينة الخانق، فأنا أعلم أن أنفي وكلّ مسامي سيسدّها غبار الحارات العشوائية النابتة فوق أكوام مخلفات سكانها وعلى أطراف ضواحٍ سكنية فخمة تبدو تلك العشوائيات معها مثل الجدري على جسد العاصمة أو مثل لطخات “اللشمانيا” المرعبة!.
ألوّث وجهي برماد المنفضة كممثل يضعُ ماكياجاً ليؤدي دوراً اسمه “المواطن”، كبروفة أوّلية قبل الوقوع في جحيم الدخان الذي يعمينا ويخنقنا ويحوّل الهواء وكل شيء إلى كتلة سوداء فاسدة، فالباصات تدلق ما في جوفها من سموم، والسرافيس والتكاسي والموتورات التي تفقس كبيوض الذباب، وعمليات حرْق “الزبالة” في الحاويات وعلى أطراف الورشات الصناعية والمعامل الناشئة الممتدة من نهر عيشة وحتى “الكسوة” فكلّها تعمل بشكل محترف لتقضي علينا بضربة ربو “محترمة” أو بانسداد شراييني معتبر، وفي أحسن الحالات بأسبوع “كريب” يكاد يطيح بآخر ما تبقى من سعادتنا بأن “كوروناً” طائشاً ضلّ الطريق إلينا من فرط الزحام وأجّل موتنا حتى اللحظة.
أتمرّن على قراءة الأدب الرديء “أبو خمس ليرات”، وإلقاء الشِّعر الموزون “مشايلة” بالكيلو مثل صناديق التنك الصدِئ ، والتمرّغ في وحول نصوص نثرية “فيسبوكية” ترشُّ كاتباتُها كلمة “الحب” بين الجملة والثانية كما لو أنها “قُنبز” عصافير دوري أو يحشرُ كتّابُها كلمة “الوطني” أو”الوطن” في طيّاتها حتى وهم يتحدّثون عن “الجظ مظ” مثلاً، فقط ليصبحوا مطوَّبين مع شهادة تقدير ممهورة بختم العماء المعرفي عند المطبّلين والمزمّرين لهم، فيما غازاتهم الفكرية “الفاخرة” أقسى وأكثر فتكاً من مخلّفات مفاعل نووي!.