ثلاثُ شقيقاتٍ
للوقت قيمةٌ ثمينةٌ جداً، كلُّ واحدٍ منّا يدركها على قدرٍ ما، فمنّا من يرى الوقتَ فرصةً للعبث واللهو، وثمّة من يراه نعمةً متاحةً يجب تدبُّرُ حُسن قضاء أيامه ولياليه قبل انقضائها، وثمة من يجمع بين المتعة والفائدة على نَصفٍ وبمنأى من أيِّ أذى أو ضرر ، وهناك من يمكن أن نختصرَ رؤيته لقيمة الزمن بأنه كمن لا يرى، وذلك الجهل الذي يقود إلى هلاك الهاوية أو هاوية الهلاك، كما يقارب توصيفَ ذلك أهلُ الروية والرؤيا الواسعتين العميقتين، وأما الوقت في عين النحو لغةً وإعراباً، فهو ماضٍ، وحاضرٌ ، ومستقبلٌ، ومن العبث في مرآة الحكمة أن تأسفَ على ما مضى وفات، وعبثاً تنشغلُ فيما هو آت وأنت لا تدري ما يكون، وإذاً فأنت كما يجب أن تكون أنت، الآن وهنا، على رأي (أوشو) الذي اشتغل على ذلك فكانت عمداً ومداميك ومحاور لكل ما أنتجه من مؤلّفاتٍ تأملية.
أمّا الشاعر فيأخذك على طريقته الأخّاذه على أجنحةٍ من تشابيه واستعارات فيرسم لك الوقت بريشةٍ مختلفة:
(مع كلِّ دقة تيك تاك تصبحُ الحياةُ أقصر، إذا تأخرتَ لحظةً تقلعُ الطائرة، تيك– تاك، تيك– تاك ، أسرع ولا تنتظرْ، فلن تستطيعَ أن تعوّض دقيقةً واحدة.. انظرُ إلى العقارب، طالما أنَّ تيك تاك، تنبضُ في صدرك، فمن الخطر أن تمزحَ مع أيٍّ منهن).
بهذه البساطة البارعة عبّر رسول حمزاتوف عن خطورة أهمية الزمن الذي يمر بنا فكأنه قرع جرساً يوقظ النوّم أو يحاول إيقاظهم، بقصيدةٍ أراد أن يدخلنا باستفهام مفرداتها قبل أن نقرأ شطراً منها، فاختار لها عنواناً (الشقيقات الثلاث)، الكبرى والوسطى والصغرى، ولم تكُنّ فاتنات عمر بن ربيعة اللواتي تساءلن من يكون الفتى، فأراد أن يكون قمر أصغرهنّ، بل كنَّ كنايةً طريفةً منه عن عقارب الساعة، ولعلَّ بين الثقافات على تنوُّعِها تشابهاً في تصوير وتوصيف ما للوقت من أهميةٍ لا تعوَّضُ بعضّ الأصابع.
وأحبُّ أن أختم بشعر الجواهري:
ما مضى فات والمؤمَّلُ غيبٌ
ولك الساعةُ التي أنت فيها.