أكثر ما يشغل مكتب الأمن الفيدرالي الداخلي الأميركي (إف بي آي)، الإقبال الشديد من الشعب الأميركي على شراء الأسلحة والذخائر، حيث يقدر حجم مبيعات الأسلحة يومياً بملايين القطع، حتى أن هناك عجزاً عن تلبية طلبات الجمهور من الذخائر, لدرجة أن يجري استيراد الذخيرة والطلقات النارية من شركة روسية.
وفي المعلومات أن الجديد هو نسبة النساء من مشتري الأسلحة والذخائر تبلغ أربعين بالمئة، أي إن التسلح في المجتمع الأميركي، ينتشر بين جميع الفئات، والأجناس، من رجال ونساء..
وعندما يضع دارسو الـ” إف بي آي” حركة التسلح وشراء الذخائر في الأجواء التي يشيعها الرئيس دونالد ترامب وحملته الانتخابية المعتمدة على استثمار التخويف لكل جهة من الجهات الأخرى -البيض يخافون من السود، والسود يخافون من البيض، والأميركيون القدامى من الأميركيين الجدد المهاجرين، والسواد العادي من الأميركيين تجاه حملة الشهادات والتقنيين، وكل دين يخاف من الدين الآخر- عندما يضع الـ”إف بي آي” عملية شراء الأسلحة والذخائر في هذا الجو المتنابذ، الحاقد على بعضه، الخائف من بعضه، يستنتج الدارسون أن هذا المجتمع الأميركي يتجه نحو الاقتتال في حرب أهلية تنتظر شرارة كي تشتعل..
وطبعاً كل متابعي توجهات المجتمع الأميركي يشعرون أن تكرار الرئيس ترامب لتوقعه أن الانتخابات الرئاسية القادمة “سيجري تزويرها” من جانب من سماهم ترامب “اليسار والمتطرفين الهمج”.
وهذا استباق من ترامب لإمكانية خسارته، ليشهر تهمة “التزوير”، يثير الخوف من أن ينفذ ترامب تهديده الذي أطلقه في جنازة القاضية غينسبرغ، بأنه لن يخرج من البيت الأبيض في حال جرى “التزوير” الذي يتوقعه ويعمل وفقه مسبقاً، وهذا طبعاً سيخلق صراعاً مجتمعياً, ينقل الانتخابات لتكون “انقلاباً” قد يشعل حرباً أهلية خطيرة.
من الواضح أن ترامب يريد أن يلغي الإرث الدستوري الأميركي الداعي للمساواة، كما أنه يريد استعادة شكل جديد للتمييز “العبودية الجديدة” تجاه السود والمهاجرين والمسلمين. وكما يعرف كل الباحثين، فإن الدستور الأميركي هو الجامع للمكونات الأميركية، وحافظ التوازن والاستقرار المجتمعي، وعندما ينسف ترامب الدستور ويتجاوزه، ويخرقه، ويخط سياسات لا دستورية، فإنه ينسف عنصر التوازن، وبتخويف الكل من الكل يدفع كل طرف للتسلح وربما للقتال والوقوع في الحرب الأهلية. فهل تستطيع المؤسسات الأميركية “العميقة” إنقاذ أميركا من سياسة ترامب التي لم تعد خطراً على العالم الخارجي فقط، بل أصبحت خطرة على المجتمع الأميركي ذاته ووحدته وأمنه واستقراره..