مَنْ افتعلَ الحرب لن يحدّثنا عن أطماعه
هل يمكن أن تصيرَ الحربُ، لغة الدم والقتل والنار، إحدى وسائل العلاقات الدولية العامة؟
وهل يمكن أن تكون الحرب تطبيقاً عملياً لمقولة المؤرّخ العسكري الألماني: «كارل فون كلاوزفيتز» (الحربُ ليست سوى استمرار للسياسة، ولكن بوسائل أخرى)..
كلُّ ذلك ممكنٌ وقابلٌ للتحقيق، مادامت السياسات قائمةً على الحروب، وأكبر مساهم في افتعال الحروب وارتكابها هو الولايات المتحدة الأمريكية عبر غرفة عمليّاتها الإجرامية التي دأبت بعد الحرب العالمية الثانية وسعت بكلّ ما أوتيت من قوّة لنهب واستغلال وسرقة خيرات وثروات الدول والشعوب وفرض هيمنتها عليها في بنية نظام عالمي استطاعت أمريكا السيطرة عليه وجعل نفسها “القوة الأوحد والأعظم” فيه، وفي حروبها ضد فييتنام وأفغانستان والعراق وحربها العدوانية على سورية، دأبت واشنطن دائماً على استنباط مصطلحات دبلوماسية لتغطية أهداف حروبها الخبيثة بعناوين برّاقة تفتح الباب لخلق نظريّات تحليلية جديدة، وتساعد أمريكا في إيهام المواطن الأمريكي بـ«نبل» أهدافها، وكذلك تعمد إلى «أنسنة» حروبها بغايات «أخلاقية» تحتال فيها وتكذب على مواطنيها.
الولايات المتحدة الأمريكية التي أدمت جسد الشعوب بسوط إرهابها تدّعي أن حروبها “محدودة” -وهو مصطلح شائع يُنظر إليه على أنه مرحلة وسطى بين الحروب التقليدية والحروب العالمية- وما تمتلكه أمريكا المتغطرسة من تراث إجرامي كارثيِّ أغواها دائماً على التمادي في جرائمها و«الخلط بين ما هو تكتيك مع استراتيجيتها حتى يصير الغرض من الحرب المحدودة هو استمرار الحرب في حدّ ذاتها، وليس انتصاراً يرتبط بسلام أفضل» كما قال ستوكر في كتابه «لماذا تخسر أمريكا الحروب»؟ والذي توصل فيه ستوكر إلى أن ما تدّعيه واشنطن من تحقيق «نصر تكتيكي وهزيمة استراتيجية»، ليس سوى فشل مكرّر لسياسة أمريكا في حروبها.
لقد كانت سورية ميدان حرب إرهابية (أمريكية–غربية- صهيونية..) وهي الدولة ذات السيادة، لأنّها تشكل الركيزة الأساسية ورأس المقاومة، وحلقة مهمة في التوازنات الإقليمية والدولية، ولأهمية موقعها الجغرافي وثرواتها، لذلك قررت أمريكا ومعها دول العدوان والشرّ ارتكاب أشنع الجرائم بحقّ سورية وشعبها، فاستخدمت واشنطن، ومعها أعوانها، كلّ ما استطاعت إليه سبيلاً لتحقيق أجنداتها المشبوهة، فاستثمرت الإرهاب، وغذّته، ودعمته لتحقيق مصالحها وأطماعها، واستعانت استخباراتها واستخبارات حلفائها ممن شاركها من الغرب الطامع بالإعلام (كوادر مراسلين ومقاولين..) وجنّدوه منصة حرب، ليكون كتفاً إلى كتف مع البنادق والطائرات والقذائف، وليكون الإعلام سلاحاً، ذخيرته أخبار ملفقة كاذبة وتغطيات إعلامية مزوّرة وصور استعراضية ليست سوى غيض من فيض أكاذيب سرّب وثائقها موقع «ذا غري زون» الإخباري، وفضح دور الإعلام الغربي المشبوه والقذر الذي مُورس في الحرب على سورية، بوسائله الإعلامية العملاقة، إذ ساهم، وسوّق، وافتعل الأحداث لتهيئة بنية تحتية دعائية، ونشر معلومات مسيّسة ممنهجة لتضليل الرأي العام العالمي على نحو يخدم ويحقق أهداف مشغّليه وأسياده.
هذه الوثائق ليست هي الأولى، وإنما جاءت قبلها كتب ودراسات ومقالات توضح الدور الإعلامي المشبوه والقذر والحرب الإعلامية المضللة التي قادها إعلام دولي وإقليمي حاقد، لتحقيق التكتيكات العدوانية اللامنتهية للولايات المتحدة الأمريكية وعصبتها الغربية والضغط على سورية “لثنيها” عن مواقفها الرافضة للارتهان للمشيئة الأمريكية، لكنّ سورية بتاريخها وحضارة شعبها ومثابرتها على ممارسة قرارها الذي لا ترضاه إلا أن يكون مستقلاً أبداً، استطاعت تحقيق النصر المؤزّر، وألحقت ومازالت تلحق الهزيمة تلو الهزيمة بكلّ تكتيك يتفتّق عنه العقل الإجرامي لأمريكا «العظمى» اللاأخلاقية الآيلة للسقوط والانهيار لا محالة.