مرة أخرى، وكما كان إبان الحرب العالمية الثانية، نجد أنفسنا في أمس الحاجة لإعادة النظر بكلّ حدث، وما يحدث للعالم العربي بالخاص، وللمدينة الكونية بالعام بعد سقوط بغداد في أوائل شهر نيسان من العام 2003 ،ولضرورات القراءة بشكل صحيح نجد أنفسنا مدفوعين للعودة إلى 11 أيلول من العام 2001 لكون هذا التاريخ متفقاً عليه كبداية لعصر جديد سوف يحمل لنا من المآسي والأزمات والأيام العجاف مالم تشهد قسوته الحقب التي مرت بمراحلها المتقلبة البشرية في السابق .. ولأن المصالح المالية- السياسية بعد هذين التاريخين هي من تحكم التحليلات والرؤى المستقبلية والنتائج المترتبة من جراء العمل بهم على المستوى العالمي من دون أي رادع أخلاقي – إنساني، فإن العودة إلى الأدبيات بجميع أنساقها المعرفية التي تلت الحرب العالمية الثانية باتت من الضرورات القصوى التي تطالبنا بإجراء مقارنات عميقة بين العصرين الحديثين، آخذين بالاعتبار بأن الزمن لن يرجع إلى الخلف، لكن السابق دائماً قادر على بث إيحاءاته للاحق، وما على الثاني سوى تطوير الإيجابيات منها بما يتناسب ومعطيات الحاضر تجنباً من الوقوع في الثبات.. فالعمل ضمن دائرة الثابت سوف يحول إيجابيات القاعدة إلى ساحة ساخنة, هدفها انتصار ثقافة إلغاء الآخر…
– لن يكون بالإمكان في هذه الأسطر القليلة متسع لإجراء القراءات والمقارنات والتحليلات تلك، ولكيلا تبقى تلك الأسطر السابقة مجرد دعوة ديماغوجية مكررة بشكل مقيت، وغير صالحة لبناء المستقبل، وخاصة عند النظر إلى تشعب أطروحاتها المتناقضة، فإن الاشارة إلى أهم المرتكزات التي جلبت الكثير من السلام والرفاه والتطور إلى البشرية، لهي جديرة بالاهتمام، مثلما هي جديرة لتكون ركيزة للقراءات اللاحقة لكل ما حدث وما سوف يحدث في الحاضر والمستقبل، وأهم تلك الركائز ” العقلانية ” ، وما من أحد يستطيع الشك في أن “الحركة العقلانية” كانت هي الحجر الأساس الذي بني عليه مشروع الحداثة في القرن العشرين بشقيه الماركسي والليبرالي .
أشادت العقلانية زوايا بيتها على أفكار تفضي إلى الاعتقاد بأن الكون يعمل على نحو ما يعمل العقل حين يفكر بمنطقية وموضوعية، وبالتالي فإن الانسان يمكنه في نهاية الأمر أن يفهم ما يدخل خبرته مثلما يفهم ، على سبيل المثال، مشكلة رياضية أو ميكانيكية بسيطة، هذا الفهم قادر ببساطة على تسخير تلك الخبرة المعرفية لصالح عملية الارتقاء بجميع معارفه السابقة، والنظر على أن مستقبله مرهون بما سوف ينتجه العقل، وبالتالي فإن محاكاة العقل تصبح نبراساً لأي قراءة، تحليل، مقارنة أو أي مشروع قادم، ولا أجدر من أن يكون السلام هو سيد تلك المشاريع، فالعقل في صفائه يرفض جميع المشاريع التعسفية بحق الإنسان، لإدراكه الفطري بأن خلود الجنس البشري وارتقاءه مرهون بديمومة السلام، مثلما هو مرهون بتعدد الأفكار التي تسعى في النهاية إلى إبعاد الحروب عن كاهل البشر..