قالوا في الأمثال الشعبية:« في الغربة تضيع الأصول», بمعنى أن المسافر يذهب إلى من لا يرى منه إلا ما يرى، فتجد من يدعي أنه من وجهاء قومه، وتجد أيضاً صاحب حسب ونسب لا يعترف له بحسبه، وهذا المثل السالف بذكره عصر التقانة والاتصالات, والتي استطاعت اليوم شرح أي سيرة ذاتية لأي شخص في المعمورة, يمكن الاستعانة به وتطبيقه على الحياة الافتراضية التي نعيشها, ممثلة بمنصات التواصل الاجتماعي كلها؛ «فيس-انستا».. وحتى حالات «الواتس آب»
منصات ظاهرها وردي و«الأعظمية» فيها حكيم وفيلسوف وشاعر ومنتج والجميع موزون وعلى قافية «قرب ياحباب وشوف العجب العجاب»!! طبعاً, غير اتكالهم في تلوين جدارهم الافتراضي على عظيم العبارات لمفكرين وشعراء استثناهم الزمان بمواهب عظيمة، وغير تماهيهم اللامشروع مع الأقوال المأثورة, بينما صورهم تؤكد أنه لايوجد رابط بين من يدعي الصفة ومخرجات الموصوف، فترى مثلاً أقوال: تشي غيفارا وعمر المختار وسعد زغلول تضج من حنجرة البليد الكسول والجبان, بينما أقوال ماركس ولينين يمليها المرتشي والحرامي والمتسلق سلم المحاباة و النفاق ليصل مبتغاه بعرف الفاسد والمفسود، و هناك أيضاً القص واللصق والنقل و«اللطش» سطو معلن ليكون الشاعر فيها شاعراً لكن بالنيات الحسنة، إذ الهدف تطبيق ما أمكن من «عذارى» وجمع أكبر عدد من (سمايلات الحب) لمنشور ليس معروفاً من هو أبوه!
وعن الحب الافتراضي حدّث ولا حرج، كثيرات هن ليلى والأغلبية (المجنون) وساحات الاستعراض مفتوحة لأي بضاعة و«اللهلوب» من يستطيع توظيف الأغاني ومقاطع الفيديو وتترات المسلسلات بمايناسب الحدث الآني ويكون السباق في ضخ تأثره الذي وصل حد التكرار غير المعرفي وأكبر دليل «محبو شهر أيلول»..
في «السوشيال ميديا» تضيع الأصول فعلاً.. لكن برغم حضور اللص والكذاب والمتملق والمحتال وزير النساء إلا أن جميل الروح قادر- أينما حل- على فرض حضوره ونشر تحديثات مختلفة لمحتوى ينضح بعطر يتذوقه كل من مر من عتباته حباً حتى وإن تمت قرصنة منتجه وأدبه وفكره، يبقى الأمل معقوداً أن يحرك الساكن ويطوع الجامد وألا نثابر في حالة الفصام حتى ولو كانت على أثير الافتراض.