” إجا ليكحلها فعماها “
سنواتها التي قاربت الستين لم تشفع لتلك المرأة من الخروج مع صلاة الفجر للبحث عن فرن للحصول على الخبز. بصوت حزين هدّه تعب السنين وعيون ضاع منها بريق الأمل من صعوبات الحياة قالت : أرادوا أن يعاقبوا صاحب الفرن لأنه يتاجر بالطحين، سحبوا الرخصة منه وأغلقوا الفرن، لكنهم فعلياً عاقبونا جميعاً نحن أهل الحي، وبات علينا البحث عن أفران أخرى. وطبعاً حال هذه المرأة حال الكثيرين.
وهنا بدورنا نطرح السؤال الذي يطرحه أهل ذلك الحي في جبلة، وفي كل حي يتم إغلاق الفرن فيه لمخالفة يرتكبها صاحب الفرن: هل انعدمت الوسيلة لدى الجهات المعنية في حل المشكلات التي يرتكبها أصحاب الأفران إلا بالإغلاق…؟ فإغلاق أي فرن هو بالدرجة الأولى عقوبة لكل من يسكن بالقرب منه ، ونحن نظن أن بالإمكان إيجاد حلول أخرى كتشغيل الفرن من قبل مستثمر آخر لمدة معينة ، أو إدارة الفرن من قبل أهالي الحي أو أي حلول أخرى لكن غير الإغلاق.
وبالمناسبة أيضاً الحلول التي توصلت إليها الجهات المعنية للحدّ من هدر الخبز والتي يغلب عليها أسلوب”لنجرب ونرى النتائج”هي حلول غير عملية وزادت الطين بلة، و فرض توزيع الخبز حسب عدد أفراد الأسرة من خلال البطاقة الذكية بحيث يحصل كل فرد على أربعة أرغفة يومياً، هو بمثابة عقوبة للناس بالدرجة الأولى وليس للذين كانوا السبب الأساسي في عملية الهدر وبالطبع هذا ليس حلاً بل زاد المشكلة تعقيداً،فأسباب الهدر معروفة للقاصي والداني وكفانا اختباء وراء إصبعنا، ومنها بعض أصحاب الأفران و من يدور في فلكهم ممن يغض النظر عنهم ، الذين يقومون بالمتاجرة وببيع الطحين التمويني،إضافة لسوء صناعة الخبز والذي يؤدي إلى رمي جزء لا بأس به منه ، إضافة إلى استخدامه علفاً للحيوانات كحل للهروب من غلاء العلف.
فالقرار الأخير عقد المشكلة وزاد الازدحام و الطوابير أمام الأفران، وينطبق عليه المثل” إجا ليكحلها عماها” فأغلب الناس كانوا يشترون كمية من الخبز لعدة أيام، لكنهم الآن مجبرون على زيارة الأفران يومياً، ما يعني هدر المزيد من الوقت و الوقود والمزيد من التعب. ماذا سيحل بالموظفين والعمال الذين سيضطرون لقضاء عدة ساعات لتأمين عدة أرغفة يومياً …؟ سؤال نطرحه على الجهات المعنية.