إشكالية الخطاب أو النفوس المشغولة
كثيرا ما يأتي التعليق على ما كُتب بالقول: “على من تقرأ مزاميرك؟”، وهو تعليق مُحق من جهة، ذلك أن النفوس مشغولة بلقمة العيش، ولكنه من جهة أخرى يراد به تبرير الكسل، أو هو تمهيد لعدم تلبية الخطاب، فهو أحياناً “كلمة حق يراد من ورائها باطل”!.
في هذه الأيام الضيقة، كثيراً ما تتم المقارنة مع أيام ما قبل الأحداث التي اجتاحت البلاد، وفي هذه المقارنة تنتصر دائماً تلك الأيام على هذه الأيام من حيث سهولة العيش، ولكن في تلك الأيام أيضاً كان التعليق نفسه موجوداً ..، “الناس مشغولة بلقمة العيش”، والمفارقة أيضاً أن الأيام المنتصرة على أيامنا هذه كانت مهزومة دائماً أمام أيام سبقتها !!، وهذا يؤكد أن التعليق، تعليق محق يراد من ورائه الكسل!.
عند هرم ماسوه للحاجات، جعل الحاجات الروحية أعلى المطالب كالحرية، وجعل قبلها الحاجات النفسية كالأمن مثلاً .. وقبلهما الحاجات المادية كالطعام، وهكذا جعل المطالب الروحية محجوبة عن المشغول بالمادي والنفسي، وهكذا تكون الحرية مطلباً لا تطلبه النفوس المشغولة ب”لقمة العيش”، منسجماً مع التعليق، وهو ما نراه ورأيناه في الواقع والتاريخ، فمن طالبت بتحرر المرأة مثلاً لم تكن عموم النساء، بل كانت قلة قليلة من الرجال والنساء، بينما بقيت الأغلبية مشغولة، بل ومحاربة أحياناً !، دون أن يمنعهم ذلك من الاستفادة من هذا التحرر “إن حصل”!.
هذا ما جرى، وما جرى أيضاً أن من دفع ضريبة المطالب، هم القلة القليلة، بينما استفادت النفوس المشغولة من المكاسب، دون أن يكون لديها أي استعداد لدفع ضريبة مقابل ذلك!.
هل يصح تعبير “النفوس المشغولة” كتعبير ثقافي؟، هذه ليست إشكالية الخطاب الثقافي، بل إشكاليته هي الإصرار بأن يوجه لهم، ولو على حسابه من جهة تبسيط الخطاب كي يصل، وهو إن وصل لن يُحدث أثراً !!.
بهذا يكون الخطاب غير مهم لأنه لم يؤدّ إلى نتيجة، فعل أو حركة، وسيهمله التاريخ، وقد يدفع قائله حياته أو حريته ضريبة لقوله !، ولم يفعل سوى إثبات الحجة على النفوس المشغولة، ولكنها حجة مثبة أصلاً !!.