برغم ويلات الحرب والنكبات المتكررة فإن فلاحين كثراً رفضوا التفريط بقمحهم الذهبي, وأصروا على تخزينه للعام الحالي لبيعه إلى مخازن دولتهم، حسب روايات عدة تشير إلى مواقف أهل الأرض الذين كانوا السر «المخفي» لاستمرار وقوف الاقتصاد المحلي على رجليه، فلولا إصرارهم على زراعة أرضهم ومد السوق بمنتجاتها لكان حال المواطن أكثر مرارة وتعباً، وإن كان الطابور الخامس يحرك أوراق مصالحه ضدهم لإبقاء البلاد تحت رحمة الاستيراد وحيتانه.
هذا العام، بدأت تباشير عودة الأمن الغذائي وكسر طوق عقود الاستيراد بفاتورتها المرهقة، من خلال التوقعات المتفائلة بإنتاج 2,5 مليون طن من القمح، بعد هطل أمطار غزيرة ساهمت, مع خطوات الحكومة الداعمة للفلاح كتسعير كيلو القمح بـ185 ليرة, في ظهور موسم لم يحصل منذ عقود، لكن على ما يبدو هناك أيدٍ خفية تحاول تعكير هذه الأجواء الإيجابية عبر حرق محاصيل القمح والشعير في جميع المدن السورية المنتجة، بغية محاربة الفلاحين في لقمة عيشهم ومنع الاقتصاد المحلي من النهوض مجدداً والاعتماد على مقوماته الذاتية، بعيداً عن المستوردات ولعنتها.
لا شك في أن الحرائق المفتعلة لمحصول القمح الاستراتيجي يعد خسارة كبيرة للفلاح أولاً والخزينة ثانياً، لكن في المقابل لا يمكن نكران أهمية المبادرة الإيجابية في توجيه البوصلة نحو دعم الفلاح والاهتمام بأرضه وإن كان ذلك لا يزال على مستوى ضيق لا يتناسب مع عطاء أرضه وخيراتها، لذا المطلوب في المرحلة القادمة خطوات جديدة في الاتجاه ذاته على نحو يؤمن مصادر دخل مجدية مع ربح معقول يوفر للفلاح عيشة كريمة، علماً أن إنجاز ذلك سيكون ضماناً حقيقياً لإنعاش حال جيوبنا ومعيشتنا، فالفلاح كان في أقسى ظروفه طوق نجاة لنا، ما يجعله السبيل الأفضل لنهوض اقتصادنا من كبوته عند الاستثمار المجدي لأرضه ومواردها الخيرة، وخاصة عند إصغاء أهل الكراسي للأصوات المحقة القائلة إن اقتصادنا زراعي بامتياز، ومن دون الزراعة سيكون اقتصاداً أعرج يحركه أهل التجارة والاستيراد حسب مصالح جيوبهم، فهل ستكون هناك استجابة سريعة باعتبار أن الغيث الحكومي أثمر خيراً أم سيتم تنقيط الخطوات الداعمة على مراحل بطريقة تقلل الثمار المنتظرة.
rihabalebrahim@yahoo.com