حلب والمشهد الإقليمي المفتوح/ المغلق.. انكشاف كامل لحجم ومسار المخطط الأميركي-‏ الإسرائيلي- التركي.. العين على العراق وتركيز على إيران وروسيا

‏تشرين – مها سلطان:
ما بعد حلب.. بقدر ما هو المشهد في المنطقة مفتوح على كل أنواع وأحجام المفاجآت، بقدر ‏ما هو مغلق على الاصطفافات الحادة نفسها، ولا يبدو أنها ستنكسر أو ستشهد اختراقاً من نوع ‏ما، على قاعدة استمرار المعادلة الصفرية التي تسيطر وتقود مسار تطورات دراماتيكية ‏ستستمر وتتصاعد في الأيام المقبلة انتقالاً إلى ميادين أخرى وفق مخطط مرسوم كشفه بالكامل ‏الهجوم الإرهابي على إدلب وحلب، بكل أطرافه، من دول تصدر الأوامر، وأخرى تدعم ‏وتمول، ولناحية الأداة المنفذة على الأرض من مجموعات وتنظيمات إرهابية.. ومن وراء كل ‏ذلك أميركا وكيانها الإسرائيلي.‏
المشهد المفتوح/ المغلق، والخطير بكليهما، قد يدفع باتجاه تحالفات/ اصطفافات جديدة، ربما ‏كانت حتى الأمس القريب مستبعدة جملة تفصيلاً، أو بعبارة أدق قد يدفع بتحركات غير ‏متوقعة من دول في المنطقة باتجاه دخول المشهد السوري/ الإقليمي على قاعدة أن المشهد ‏المغلق حتى الآن على اصطفافات وأيديولوجيات حادة لم يَعُد بالنفع على أحد، ولا باستقرار ولا ‏سلام، وبما يؤخر لعقود متتالية مسار نهضة بات ملحاً ومصيرياً.. وعليه لماذا لا يتم فتح هذا ‏المشهد على «انقلاب» إذا جاز لنا التعبير؟.. ألم يكشف الهجوم الإرهابي على حلب انقلاباً في ‏مخطط استهداف المنطقة لناحية عودة النظام التركي للاصطفاف علناً مع أميركا والكيان ‏الإسرائيلي؟.. ألم يكشف هذا الهجوم انقلاباً في رد فعل العديد من الدول، ومن ضمنها من ‏يتهددها المخطط ذاته، بل بات أقرب إلى دخوله ضمن التنفيذ الفعلي، إذا ما أخذنا عملية تسريع ‏المخطط بصورة كبيرة جداً باتجاه إيصاله إلى «المحطات الأصعب» والتي سيتكفل ترامب ‏بتسويتها وفرضها؟.. إذاً لماذا لا يفتح الطرف المقابل خطاً لانقلاب مماثل في نمط العلاقات ‏والاصطفافات مع وصول المخطط إلى النقطة الأخطر، ومن بعدها لا عودة. ‏

الجوار أشد قلقاً وانتظاراً حيث كشف تحالف الشرور كامل المخطط بمحطاته السابقة ‏واللاحقة.. والعراق متأهب بحدود «لا يمكن اختراقها» ‏

‏معادلة حلب
ميدان الشمال، وحلب تحديداً، سيبقى في دائرة التركيز الشديد، وفي حالة رصد دقيق، من ‏الجوار و(دولياً) وبصورة أشد قلقاً وترقباً و(انتظاراً) مما كان عليه الوضع في لبنان، وقبله في ‏غزة، وإن كان الميدان فيهما لم يشهد خواتيمه بعد.. ولكن بنظر حلف الشرور الأميركي – ‏الإسرائيلي- التركي، فقد بات هذان الميدانان في وضعية «تحييد» كافية للانتقال إلى استهداف ‏سورية، حيث المحتل التركي ينتظر إشارة ليحرك مجاميعه الإرهابية، وهو ما فعله وفق ‏الأوامر الأميركية – الإسرائيلية كما هو مخطط، ليسقط كل تمثيلياته السابقة حول الخلافات ‏والتوتر مع العدو الإسرائيلي الذي وصل إلى حد قطع العلاقات في سبيل إخفاء دوره التآمري.. ‏كذلك سقطت كل تلك النظريات التي تزعم بأن الهجوم الإرهابي على حلب كان بفعل رفض ‏الجانب السوري الجلوس مع الجانب التركي، لأن هذا الهجوم على مستوى الحجم والتنفيذ ‏كشف بما لا يدع مجالاً للشك أن التخطيط له كان قائماً، وأن التنفيذ كان ينتظر الانتهاء من ‏ميدان لبنان، من دون انتظار، ووفق نظرية الصدمة، وبما يجعل الطرف الآخر مربكاً ومتردداً ‏إلى الفترة الكافية التي يستطيعون فيها الانتقال إلى المحطة التالية، وهي العراق حسب ‏التحليلات التي تعتمد قراءة مسار المخطط، الذي هو ليس بجديد، ضمن المشروع الأميركي ‏نفسه «شرق أوسط جديد إسرائيلي».‏
وعليه فإن العراق حاضر بصورة رئيسية، وعلى أهبة الاستعداد كما يُعلن، بداية من الحدود، ‏حيث أكد أنه «لا يمكن اختراقها» وأنه مستعد لتوسيع الدعم لسورية، وهو ما اعتبره ‏المراقبون إعلاناً غير مباشر بإمكانية دعم ميداني بالقوات والعتاد. ‏

بقدر التركيز على سورية هناك تركيز أكبر على الحلفاء الأساسيين روسيا وإيران وعلى ‏اتفاقات وتفاهمات كان النظام التركي جزءاً منها

وعليه فإن سورية هي – مرة أخرى – في نقطة مفصلية تاريخياً على مستواها، وعلى مستوى ‏المنطقة عموماً، والدول العربية خصوصاً، لذلك فإن الهجمة الإرهابية الحالية قد تتسع وتطول ‏إذا ما كان المخطط يحتم تحييدها حكماً في هذه المرحلة، للانتقال إلى الميدان التالي، وعلى ‏فرض أن الفرصة سانحة من جهة.. ومن جهة ثانية على فرض أن تدهور النفوذ الأميركي في ‏المنطقة، وتفلت الحلفاء التقليديين باتجاه تحالفات دولية تتجاوز الأميركي، لابد أن يجعل ‏التنفيذ حتمياً وسريعاً من دون تراجع أو توقف أو تأجيل.‏

‏تركيز على الحلفاء
وبقدر التركيز على سورية، هناك تركيز أكبر على الحلفاء الأساسيين، روسيا وإيران، اللتين ‏أكدتا دعم سورية المستمر في مواجهة الهجمة الإرهابية الجديدة، على مستوى الميدان وعلى ‏مستوى السياسة والتفاوض، على اعتبار أن النظام التركي هو جزء أساسي من اتفاقات ‏وتفاهمات تم التوصل إليها في السنوات الماضية مع روسيا وإيران بخصوص سورية، تمهيداً ‏لاتفاق نهائي يُخرج المحتل التركي، وينظم الحدود وآليات ضبطها ومراقبتها، وبما يقود ‏لاستعادة العلاقات الطبيعية القائمة على عدم الاعتداء واحترام السيادة (والمقصود هنا الجانب ‏التركي المعتدي).‏
وفيما روسيا تقدم دعماً ميدانياً مهماً مسانداً للجيش العربي السوري، وبما قاد للقضاء على مئات ‏الإرهابيين وتدمير عتادهم، وتالياً احتواء مفاعيل الهجوم على الأرض ومنعه من التمدد، فإن ‏إيران تحاول تفاوضياً باتجاه النظام التركي، الذي لا يعترف رسمياً بدوره في هذه الهجمة، لكن ‏الحلفاء لا يحتاجون اعترافاً، ولا أي أحد يحتاج اعترافاً، في ظل أن المجاميع الإرهابية ترفع ‏علم النظام التركي وتقاتل بأسلحته، وترفع شعاراته.‏
وبينما يوجد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تركيا، بعد سورية، جددت إيران ‏دعمها لسورية، حيث جرى اليوم اتصال هاتفي بين السيد الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني ‏مسعود بزشكيان، حول التطورات والتعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب.‏

من غير الممكن الحديث بصورة جازمة عن نتائج مروحة واسعة من المفاوضات خصوصاً ‏عندما يتعلق الأمر بالنظام التركي فلايزال الميدان متصدراً وله الحسم والأمر ‏

وجدد الرئيس الأسد التحذير من أن «ما يحصل من تصعيد إرهابي يعكس أهدافاً بعيدةً في ‏محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد وفقاً لمصالح وغايات ‏أميركا والغرب»، مشدداً على أن هذا التصعيد «لن يزيد سورية وجيشها إلا إصراراً على ‏المزيد من المواجهة للقضاء على أذرع الإرهاب في كامل الأراضي السورية»، بينما أكد ‏الرئيس بزشكيان رفض إيران التام لكل محاولات النيل من وحدة واستقرار سورية، مشدداً ‏على استعداد إيران لتقديم كل أشكال الدعم لسورية للقضاء على الإرهاب وإفشال أهداف ‏مشغليه وداعميه.‏
ولأنه لا يمكن بأي حال الحديث بصورة جازمة عن نتائج مروحة واسعة من المفاوضات، ‏ومن الاتصالات الهاتفية التي تجري بصورة متواصلة، فكل شيء متوقع، لذلك نعتمد دائماً ‏على قاعدة (حتى كتابة هذه السطور).. وحتى كتابة هذه السطور فإن لا شيء معلن حول ما ‏يجري على المستوى لا من جانب الحلفاء ولا من جانب محور الشرور الأميركي و(معه ‏الأوروبي) التركي- الإسرائيلي، باستثناء بيان صادر عن أميركا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ‏صدر اليوم الإثنين يدعو «إلى خفض التصعيد» و«الحاجة الملحة لحل سياسي»، ولا داعي هنا ‏للعرض والشرح باعتباره بياناً يندرج في إطار التضليل والتعمية. ‏

حديث الميدان

ويبقى حديث الميدان، فهو الأساس، وهو من يقول الكلمة الأخيرة، وحديث الميدان تضمن ‏اليوم القضاء على 400 إرهابي خلال الساعات الـ24 الماضية من جنسيات أجنبية مختلفة، ‏وتدمير 5 مقرات قيادة و7 مستودعات ذخيرة وسلاح، بعضها يحتوي على طائرات مسيّرة، ‏وذلك خلال «ضربات جوية صاروخية ومدفعية مركزة» نفذها جيشنا بالتعاون مع القوات ‏الروسية، وفقاً لبيان الجيش العربي السوري الذي أعلن بدء عمليات في أرياف حلب وحماة وإدلب، ‏وعن تثبيت نقاط تمركز جديدة استعداداً لهجمات قادمة، وعن وصول تعزيزات عسكرية ‏إضافية إلى محاور الاشتباك.‏
وأكد جيشنا الباسل أنه مستمر بعزيمة عالية حتى استعادة كل شبر من أراضي سورية.‏
لا شك بأن العين على جيشنا السوري من تحالف الشرور، وهو بالأساس مستهدف رئيسي ‏في الحرب الإرهابية على سورية، ولأنه كذلك فإن المراقبين والمحللين يركزون عليه، وعلى ‏مسألة أن جبهة روسيا مختلفة كلياً عن لبنان وغزة، وأن المعادلات فيها هي معادلات «كسر ‏عظم» إقليمية ودولية، ولا يمكن أن تكون نتيجتها فوزاً لتحالف الشرور.. لذلك فإن حرباً عالمية ‏ثالثة باتت أقرب جداً، بعد الهجمة الإرهابية الجديدة ضد سورية.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار