بوابة الشمال
ليس جديداً على حلب تصديها للعدوان، فقد قُدّر للشبهاء منذ الأزمنة البعيدة، وإلى اليوم أن تكون بوابة ليس لسورية وحدها، بل بوابة للعرب جميعاً تغلق في وجه أعداء الإنسانية، وإن قُدّر ودخلوها فلا بد ستفتح وإن طال الزمان لتقذف بهم خارجها.. هي بوابة الياسمين لكل العطور التي خرجت منها مُعطرة أرجاء الكون بصدى فنها وطربها منذ قديم الموشحات من عمر البطش وحمام خيري حتى أحدث أغنية غنتها مطربة الأجيال ميادة الحناوي وشهد برمدا وصباح فخري وعابد عازرية..
وهكذا كانت عندما كان يحكمها فارسٌ نبيل بحجم سيف الدولة الحمداني؛ أمير عرف مجلسه أعظم الشعراء والفلاسفة، ورغم كلِّ شغفه الفني والإبداعي استطاع رد الروم عن يمينه وشماله ومن خلفه ودفعهم خارج بوابة حلب.. ذلك الأمير الذي طالما سجل مآثره شاعران كبيران وفارسان أيضاً لا يزالان يملأان الدنيا ويشغلان الناس، وأقصد أبو فراسٍ الحمداني والمُتنبي، يفخر به الثاني – المُتنبي مرة واصفاً حال سيف الدولة ومؤكداً على مناعة البوابة الحلبية:
أَنتَ طولَ الحَياةِ لِلرومِ غازٍ
فَمَتى الوَعدُ أَن يَكونَ القُفولُ
وَسِوى الرومِ خَلفَ ظَهرِكَ رومٌ
فَعَلى أَيِّ جانِبَيكَ تَميلُ
حلب علامة سورية الفارقة، التي تصرّ على نشر ثقافة الحياة ووأد ثقافة الموت التي كانت تُحاصرها من جهاتها الست، وهذه “الشهباء” اليوم تواجه الإرهاب، وتُبعث من تحته لتقول ثقافة الحياة بكلِّ تنوعها وتعددها، هنا الجامع الأموي الكبير والكنيسة الإنجيلية العربية، حلب التي كانت تدهش الزوار، وتسحر السياح بجمال أبنيتها وبهاء مساجدها وحماماتها وأسواقها، وحلب القديمة، هي من أقدم المدن التاريخية التي ما تزال حيةً.. ذكرتها الوثائق المكتشفة من رقم طينية ولوحات حجرية وشواهد على أنها قائمة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، كلّ هذا الإرث من الثقافة والحياة محالٌ له أن يموت..
فروح سيف الدولة وفرسانه لا بدَّ ستنهض اليوم، لتتماهى مع أرواح قديسي جنود الجيش السوري من فرسان السجن المركزي ومطار كويرس وحتى الجندي باسل قرفول حامي حمى حلب الذي وصلت بسالته حد الأسطورة في فداء حلب والاستماتة والشهادة دفاعاً عنها..
لَيسَ إِلّاكَ يا عَلِيُّ هُمامٌ
سَيفُهُ دونَ عِرضِهِ مَسلولُ
كَيفَ لا يَأمَنُ العِراقُ وَمِصرٌ
وَسَراياكَ دونَها وَالخُيولُ