الشمال السوري وآخر المعارك باتجاه «شرق أوسط جديد».. أيام مصيرية في سباق تسويات إقليمية نهائية

تشرين- هبا علي أحمد:‏
على اعتبار أن ما يجري في المنطقة خصوصاً- وفي غير ساحة صراع دولي عموماً – ربما تكون آخر ‏المعارك باتجاه عالم جديد يقوم على أسس ومعادلات دولية وصياغات جديدة تحكمها تفاهمات و/أو تسويات ‏بصرف النظر عن صيغتها والمعلن والمخفي منها، وليس بعيداً أن رسمها سيكون انطلاقاً من الأرض ‏السورية. ‏
من هنا فإن ما جرى ويجري منذ فجر الأربعاء الماضي في حلب يدخل في سياق آخر المعارك والفرص، ولا ‏نغالي أو نبيع أوهاماً إن قلنا إنه الشوط الأخير في سياق الحرب الإرهابية على سورية الممتدة على مدار 13 ‏عاماً.‏
من هنا أيضاً ولأسباب مرتبطة بسياق الحرب في غزة وبعدها لبنان لم يكن ما جرى ويجري في حلب مُستغرباً ‏من حيث التوقيت وحتى المكان.. من حيث التوقيت هو امتداد للعدوان على غزة ولبنان ولتحسين شروط كيان ‏الاحتلال في أي مفاوضات حتى على الأرض السورية لأن مطامع الكيان ليست محصورة في غزة ولبنان، بل ‏قائمة على احتلال عدة دول في المنطقة ومن ثم قطع خطوط الإمداد بين محور المقاومة، ولن يكون محصوراً ‏في سورية بل الساحة المقبلة العراق وإيران ولم يعد الأمر خافياً على أحد.‏

ما جرى ويجري  يهدف إلى إعادة خلط الأوراق في سورية والمنطقة

وحسب المعلومات فمن الواضح أن مخطط العدو الإسرائيلي عبر الإرهابيين في إدلب كان إسقاط حماة ‏وحمص لاحقاً ثم حصار الساحل السوري عبر بلوغ غرب حمص ثم القصير والتمدد في القلمون لتحقيق هدف ‏العدو الإسرائيلي بالسيطرة على الحدود السورية اللبنانية وقطع الإمداد عن المقاومة في لبنان وحصار ‏لبنان، وحصار عموم المحور. ‏
من حيث التوقيت أيضاً، يدخل هنا التركي والأمريكي على الخط ذاته، خط المفاوضات، إذ مهما بدت تركيا ‏بتصريحاتها مُحايدة أو تُشيع بأن لا علاقة لها بالموضوع، فهي محض تصريحات، إذ تبحث تركيا وبأي الأثمان ‏تحسين شروط المصالحة مع الدولة السورية وعليه فهي تدخل بكل ثقلها الإرهابي وهذا بدهي، ولاسيما أن ‏مسار أستانا بات في عداد الأموات، أضف إلى ذلك أن كل ما كان يوحى عن محاولات مع الدولة السورية ‏لإتمام المصالحة لم تُثمر.‏
أمريكا بدورها تنصلت من ما يجري في حلب، وهذا مدعاة للسخرية، ويُفسر في اتجاهين، الأول: إذا فاز ‏مخططها الإرهابي بما يصب في خدمة الكيان يكون فاز، وبالتالي الاتجاه إلى رسم المعادلات الدولية بناء على ‏صياغات أمريكية، والتي أشرنا آنفاً إلى أنها المعادلات التي ستنطلق من حيث يحط الميدان السوري رحاله.‏
أما الثاني: إذا خسر مخططها الإرهابي، تدخل في سياق تفاوضي من نوع آخر من نوع لا يوجه الاتهامات ‏إليها، رغم إنها والكيان المتهمان الأساسيان في الحرب على سورية منذ الـ2011 وحتى تاريخه، وفي كل ‏حروب المنطقة بالعموم. ‏
كل ما سبق ذكره وبناء على تراكم المتابعة والمعطيات، لا ننفي أن المعركة طويلة ومعقدة والمرحلة خطيرة ‏إلى حد ما، باعتبارها آخر المعارك، حيث لا مفاوضات أو هدن أو تثبيت الميدان إلى ما انتهى إليه، لأجل ذلك ‏ممكن أن تمتد إلى غير منطقة وهذا في الحسبان أيضاً لإعادة خلط الأوراق، ومن أجل ذلك فإنها بداية النهاية ‏للحرب على سورية.

خلفيات ما يجري يرتبط بما تمثله سورية من ركيزة أساسية في محور المقاومة

فإذا كانت العين اليوم على ما يجري في الشمال، فلا يعني أن ننشغل عن خلايا نائمة أو ما يمكن أن يجري في ‏غير جبهة ولاسيما جبهة الجنوب السوري على اعتبارها جبهة مواجهة مباشرة مع الكيان. ‏
أما كيف جرى وماذا جرى ولماذا؟ ربما بات واضحاً من باب الارتباط الإقليمي -الدولي..‏
وداخلياً كيف جرى وماذا ولماذا ولاسيما في الساعات الأولى عندما كانت الأمور ضبابية لعدة أسباب لا شك في ‏أنه تكشفها الأيام القادمة بشكلها الأوضح والأدق، ولاسيما أننا في سياق المعارك نحتاج إلى التروي ‏والانتظار رغم قساوة هذا الانتظار إضافة إلى أن البيانات المتلاحقة الصادرة عن الجيش والقوات المسلحة ‏تكشف تباعاً ما جرى ويجري وعلى مسارين سياسي/عسكري، وإعلامي، فالمعركة الراهنة كما بدأت في ‏الـ2011 إعلامية بدرجة أكبر من حيث الشائعات والضخ الإعلامي بشكل كثيف، إلى جانب تحريك الخلايا ‏النائمة، وهذه من مسارات أي حرب، فكيف إذا كانت حرباً موجهة على سورية الدولة بما تمثله من ركيزة ‏أساسية في محور المقاومة الذي يتعرض اليوم لأكبر هجمة ومؤامرة لإنهاء دوره في المنطقة والصراع مع ‏كيان الاحتلال. ‏
وإذا ما تحدثنا اليوم عن أوراق ضغط، فإن الجميع بات يملكها، لكن الكفة وورقة الضغط الأساسية تبقى في ‏الميدان وإلى ما ينتهي إليه الميدان هو ما سيكون، وما سيكون هو التحرير الحتمي لأراضينا المحتلة من ‏الإرهاب والاحتلالين التركي والأمريكي ومن خلفهما العدو الإسرائيلي..‏

‏طبيعة ما يجري في سورية دقيق ومصيري وحاسم للمرحلة الراهنة والمقبلة ولن نعود بالوراء إلى مجريات الحرب على سورية، يمكن أن نأخذ تلخيصاً من ميدان الجنوب في لبنان، كيف ‏بدأ العدوان الصهيوني بتكثيف غاراته على الضاحية الجنوبية لبيروت وعدة مناطق لبنانية، ولم تمضِ ساعات ‏حتى امتلكت المقاومة الميدان وحسنت شروطها في الميدان الذي فرض اتفاق وقف إطلاق النار، والذي قلنا ‏إذا لم يرق للبعض أن يعتبره نصراً للمقاومة فهو جولة من جولات النصر في سياق المعركة الطويلة، ‏ولاسيما أن الاتفاق معرض للسقوط في أي لحظة ويُخرق يومياً من كيان الاحتلال من دون أن ترد المقاومة التي ‏تمتنع عن إعطاء الذرائع للعدو.‏
وبالعودة إلى الميدان.. سريعاً امتلك الجيش العربي السوري الميدان وعزز خطوطه الدفاعية بمختلف ‏الوسائط النارية والعناصر والعتاد، وتصدى للتنظيمات الإرهابية ومنعها من تحقيق أي خرق، على محور ريف ‏حماة الشمالي، حيث حاولت المجموعات الإرهابية السيطرة على عدة مدن وقرى ما لبث أن طهرها الجيش ‏واستعادها في ريف حماة الشمالي وصولاً إلى ريف حماة الشرقي، إلى جانب استعادة مناطق تشكل جزءاً من ‏الحدود الإدارية بين حماة وإدلب.‏
إذاً مجريات الميدان التي ترد تباعاً وتوثقها بيانات الجيش وقواتنا المسلحة، ستفرض واقعاً تفاوضياً جديداً ‏مُغايراً لما كان يتم في كواليس السياسة والدبلوماسية، واقعاً تحدده الدولة السورية بشروطها وتُسانده ‏وتدعمه القوى الحليفة بما يحقق مصالحها ويحمي نفوذها في عموم المنطقة بطبيعة الحال ويحسن شروطها ‏في صراعها مع القوى الدولية، لهذا السبب بالتحديد فإن طبيعة ما يجري في سورية دقيق ومصيري وحاسم ‏للمرحلة الراهنة والمقبلة.

الأمن والاستقرار في سورية يمثلان أهمية لا يمكن   التهاون معها

ولأن ما يجري بالتحديد في سورية مصيري ودقيق وحاسم للداخل السوري وللحلفاء على الساحة الدولية ‏والإقليمية، فليس بعيداً أن يُثمر الحراك الدبلوماسي (بالتوازي مع الميدان الذي يقطف الثمار سريعاً) الذي ‏بدأ باتصالات هاتفية عربية /إقليمية مع القيادة السورية أمس تؤكد على دعم ومساندة دمشق في معركتها، ‏ويتواصل اليوم بزيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي أكد مُسبقاً أننا نواجه مؤامرات جديدة في ‏المنطقة ومن بينها القوى التكفيرية، ‏وإن التحركات الأخيرة أثبتت أن هذه القوى الإرهابية تتحرك تحت قيادة ‏أمريكا، مشيراً إلى الوضع الملتهب ‏في المنطقة، مؤكداً أن الجيش السوري سينتصر مرة أخرى على هذه ‏المجموعات الإرهابية كما في السابق.‏
في حين أكّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الأمن والاستقرار في سورية يمثلان أهمية لا ‏يمكن التهاون معها ليس للعراق فحسب بل لكل دول المنطقة.‏
بطبيعة الحال ما زلنا في الأيام الأولى من المعركة التي تحتاج نفساً طويلاً، وإيماناً بقدرة الجيش الذي عودنا ‏دائماً على تغير المعادلات على الأرض وتثبيتها فالعبرة ليست فقط بالخواتيم بل بتثبيت النقاط أيضاً وهو ‏المقياس العسكري الحقيقي، وإيماناً بالقيادة الحكيمة والوعي الشعبي.‏
وكما قال سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله: «بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان والخبر ما ترون ‏لا ما تسمعون».‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار