إشعال جبهة الشمال وإشغالها.. عملاء الاحتلال يكملون العدوان
ادريس هاني:
ليس في كنانة من أنكر علينا هجاء ما يسمى “الربيع العربي” وبؤس مخرجاته، من أدوات التحليل والمقاربة سوى تصعيد أحكام قيمة انفعالية قائمة على الإسقاط المفرط باستعمال خلفيات كيدية غرقوا فيها حدّ الأذقان، هذا بينما كان المنطلق المنهجي في تقييم الحراكات، لا سيما تلك التي ساهمت في زعزعة استقرار بلد يتموضع في صلب المواجهة، وسعت بتوافق معلن مع حلف “ناتو” وانخراط في خططه لتمزيق النسيج الاجتماعي السوري.
كان المنطلق المنهجي هو أنّ التّحرر الاجتماعي لا يتناقض مع التحرر الوطني، فلقد رأينا يومها أنّ حراكاً يزيح القضية الفلسطينية ويضعها في مرتبة ثانوية ويعيد تأهيل قادته في أكاديميات موصولة بـ”الإيباك”، هو مؤشّر على تفكيك المنطقة بدت لنا يومها أنّها مغالطة تاريخية واجتماعية وسياسية.
المنحنى الهندسي لما سُمي بالثورة في سورية، المنحدر من بقايا التطرفات، والتي اختفت طوال عام بعد الطوفان، ها هي تطل برأسها في سياق لعبة دومينو دولية، هدفها إكمال أطوار الأزمة في سورية عبثاً، سورية كرافد للمقاومة، فلقد انطلقت أرتال من الحدود التركية، وقامت أربعة هجومات في أطراف حلب، هي الأخطر من نوعها منذ بداية الأزمة، كل هذا في سياق تشهد فيه المنطقة معركة وجود تخوضها الأمة في غزة وفي لبنان، لقد طال الزمن فكشف الغطاء عن المشروع الصهيوني خلف الحرب الضروس على سورية، ولم يعد السياق يسمح بالتباس الخطاب والمواقف.
كانت الحرب على سورية ولا زالت حرباً صهيونية في جوهرها، مهما تدثّرت بألف عنوان وعنوان ثورجي، ثم من قال أنّ “الثورة” في يوم من الأيام كانت هدفاً ونهجاً للظّلامية المتحالفة مع الإمبريالية تاريخياً.
لقد ظنّ الإرهابيون أنّهم سيلجمون سورية عن دورها في تأمين سيادتها ووحدتها الترابية، قاموا ليملؤوا فراغ الهدنة ويستغلوا الوضع لإيجاد فجوة وتفعيل نزاع طائفي جديد.
اليوم بات ما سمي ثورة تقودها بقايا من إرهابيي “النصرة وداعش” بالمنطقة، والذي طال فيه الرهان على الاحتلال، على تناقض حاد مع المهمة التاريخية لمعركة الوجود ومناهضة الاحتلال، غير أنّ الجيش العربي السوري مدعوماً بحلفائه قوضوا محاولة تقدم إرهابيي الجولاني وبقايا النصرة، فقد وصلت مسيرات أوكرانية إلى أيدي بقايا القاعدة في سورية، وأعطي الإذن بإشعال سورية وإشغالها وبالتالي إشغال المنطقة برمتها، لتخفيف الضغط على الاحتلال، فلن يغفروا لسورية صمودها وانحيازها وهي جريحة إلى صفّ المقاومة، وهل توجد وقاحة أكثر ممن اعتبر نجاح ما يسمى “الثورة” في سورية كان من شأنه إن حصل، أن يغير وجه تاريخ المنطقة؟
لقد راهن المسلحون على الاحتلال، وانتظروا ساعة الصفر لينقضوا من جديد. كانت حساباتهم على قدر كبير من الغباء، فصمت سورية يخفي بركاناً حارقاً، ويدرك الاحتلال أنّ سورية لم تقل منذ بداية الأزمة وحتى اليوم كلمتها الأخيرة. إنّ فرض الحرب الكلاسيكية على سورية ستكون فاشلة، سواء أكانت حرباً مباشرة أو عبر أذرعها المتلبّسين بشعارات أنبل من أن تركب على حركات وظيفية، الذين سكتوا طوال عام من العدوان على غزة ولبنان، ستكون لهم صولة عبثاً في الفترة القادمة، لو كانت سورية خارج المعادلة كما أوحى شياطين ميديا الهزيمة، لما كانت مستهدفة في هذا المقطع التاريخي.
ثمة ألسن أطول من ألسن الحرباء في سرديّاتها اللَّوِّيَّة. لأن السؤال: ماذا لو نجحت المؤامرة في سورية؟ ما مصير فلسطين، وقد عانق مشروع الثورجية مشروع الاحتلال، واليوم تأكد بما لا يدع مجالاً للشّك، أنّ الإرهابيين يدخلون في شوط جديد من التخريب، وبات دور المسلحين مكمِّلاً لدور الاحتلال، وجهان لعملة واحدة، لن نفاجأ بألوان جديدة تغمر جلد الحرباء، فخصوم سورية سيكشرون مرة أخرى عن أنيابهم كالمستذئبين في الليالي المقمرة، لم تخطئ المقاومة حين انخرطت في المعركة، لم تخطئ حين لاحقت أذرع الاحتلال في القصير، إن الاحتلال عازم على نقل الأزمة إلى سورية، لكنه سيفشل وسيفشل هو وحلفاؤه بعد أن فشلوا على امتداد 13عاماً من العدوان.