الهدنة والمسار الذي يجب أن يُسلك
تشرين
تشهد المنطقة هذه الأيام تحولاً هاماً يمكن أن يؤثر على مجمل التطورات الإقليمية، هذا التحول يتمثل في إعلان هدنة لمدة شهرين بين لبنان وكيان الاحتلال الاسرائيلي بوساطة عدة دول، ولكن السؤال الأساسي هو: هل ستصمد هذه الهدنة؟ الأمر يعتمد على مدى التزام “إسرائيل” وسلوك الدول الغربية في تنفيذ الضمانات، بما في ذلك وقف تسليح إسرائيل ووضع حد لجرائمها في غزة، فلا يمكن لهذا الكيان ومعه بعض الغرب أن يتوقعوا استمرار الإبادة الجماعية في غزة دون أن يواجهوا ردوداً حازمة من قوى المقاومة.
النقطة الجوهرية هنا هي أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب وسائل الإعلام الغربية، حاولوا أن ينسبوا هذه الهدنة إلى جهودهم الدبلوماسية، كما زعمت إسرائيل، ومن بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن هذه الهدنة جاءت كنتيجة “تحقيق أهدافهم” ضد لبنان. ولتعزيز هذه المزاعم، نفذت “إسرائيل” قبل الهدنة عمليات قتل جماعية في لبنان، واعتداءات على سورية، بل ووجهت تهديدات ضد إيران.
ولكن على الرغم من هذه الادعاءات، فإن كل الشواهد تؤكد أن أي هدنة بين لبنان و”إسرائيل” لم تكن ثمرة دبلوماسية غربية أو قوة إسرائيلية، بل نتيجة مباشرة لصمود المقاومة، وبالأخص حزب الله، الذي قلب موازين الصراع وأجبر “إسرائيل” على الخضوع، فبرغم الخسائر والدمار الذي أحدثه الاحتلال في لبنان، فإن الميدان كان بيد المقاومة، التي حددت مصير الحرب، فمن جهة، لم تتمكن إسرائيل من التقدم ولو شبراً واحداً داخل الأراضي اللبنانية رغم تعبئة كتائب وألوية غولاني، ومن جهة أخرى، فرضت صواريخ المقاومة معادلة جديدة، وصلت إلى حد قصف مدينة أشدود.
كما أكدت تقارير إعلامية عبرية أن هجوماً بطائرات مسيرة للمقاومة استهدف مشروعاً بقيمة مليارات الدولارات في منطقة “تل شومير”، أمام هذه الحقائق، لم يبقَ أمام “إسرائيل” والغرب سوى خيار الهدنة، لأنهم لا يفهمون سوى لغة القوة، وهي اللغة التي أجادت المقاومة استخدامها.
من هنا، تتضح الحقيقة الأولى: أي هدنة تحققت لم تكن نتيجة جهود الوسطاء الدوليين، بل كانت نتيجة صمود المقاومة، وبالتالي، فإن استمرارية هذه الهدنة وعودة اللاجئين اللبنانيين إلى ديارهم بسلام لن تكون بفضل قرارات مثل القرار 1701 أو الادعاءات الدبلوماسية الغربية، بل بفضل قوة سلاح المقاومة الذي غيّر موازين القوى لصالح لبنان.
أي محاولة لفرض نزع سلاح حزب الله أو إضعاف قدراته ستعيد التهديدات الإسرائيلية للبنان، ومن هنا، فإن الأولوية يجب أن تكون لدعم حزب الله، سواء من قبل الشعب اللبناني، أو الحكومة، أو الدول الإسلامية، أو المؤسسات الدولية، لأن ذلك هو الضمان الوحيد لمنع كيان الاحتلال من تكرار اعتداءاته.
النقطة الثانية التي يجب التوقف عندها هي أن تجربة لبنان أثبتت أن المقاومة هي الخيار الوحيد لمواجهة “إسرائيل” وتحقيق الأمن المستدام، ومن هنا، فإن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة هو ضرورة ملحّة اليوم لمواجهة الإبادة الجماعية والتجويع المفروض من “إسرائيل”.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الأمة الإسلامية إلى التكاتف ودعم المقاومة المسلحة، لأن التجربة أثبتت أن القرارات والاتفاقيات الدولية لا قيمة لها بالنسبة لـ”إسرائيل” وحلفائها، المقاومة وحدها هي التي تردعهم.
بعد الانتصار الذي حققته المقاومة اللبنانية، حان الوقت لتوحيد الجهود الإسلامية لدعم غزة، من أجل إجبار “إسرائيل” على التراجع عن عدوانها، وتكرار ملحمة صمود شعب غزة، إن هذه الهدنة التي أُبرمت بفضل سلاح المقاومة في لبنان، يجب أن تكون حافزاً لدعم المقاومة في غزة لتحقيق نصر آخر يسهم في تعجيل زوال الاحتلال الإسرائيلي.