كيف مهّدت إدارة بايدن لترامب في الشرق الأوسط ‏وروسيا.. المعلن والمخفي؟

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

قليلاً فقط سينحسر ذلك التركيز الدولي على الشرق الأوسط المستمر منذ ‌‏14 شهراً خصوصاً في الشهرين الأخيرين، وهو تركيز اتسم بحدّة وشدّة ‏قبل أن «يسترخي» أمس الأربعاء بإعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين ‏الكيان الإسرائيلي ولبنان لمدة 60 يوماً، ورغم أن التفاؤل ليس مُعمماً، بل هو ‏معلق على حبل رفيع مشدود في سياق التطبيق والتنفيذ، إلا أنه يمكن القول ‏إن التركيز سينحسر لمصلحة قضايا دولية أخرى، وإذا ما اعتبرنا أن ‏معظمها مرتبط عملياً بالولايات المتحدة الأميركية وهي تستعد لولاية ‏دونالد ترامب في 20 كانون الثاني المقبل، فإنه ليس من قبيل الاكتشاف ‏القول إن التركيز سيتحول باتجاه الصين.. لكن البداية ستكون من روسيا.‏
هذا لا يعني أن الشرق الأوسط سيغادر الأولويات المتقدمة للولايات ‏المتحدة، ولكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان (والذي من المتوقع ‏أن يلحقه آخر في قطاع غزة) يمكن لإدارة ترامب أن تبني سياسات ‏وإجراءات أكثر قوة في المنطقة، متخذة من الاتفاق نفسه أرضية ومنطلقاً، ‏وعلى قاعدة استغلال الثغرات/ الفجوات التي تم تضمينها مسبقاً وعمداً ‏بين بنود الاتفاق، كما يبدو، وإذا لم يكن هذا واضحاً للجميع، فإن ‌‏«الضمانات الأميركية»، التي قدمتها إدارة جو بايدن للكيان الإسرائيلي، ‏كفيلة بتثبيت حديث الثغرات والفجوات، والأيام المقبلة ستحمل في طياتها ‏الكثير في هذا السياق، «في سياق إعلان بايدن عن اتفاق وقف النار في ‏لبنان تطرق إلى قطاع غزة وأنه يتم العمل مع وسطاء إقليميين باتجاه ‏اتفاق مماثل».‏
بكل الأحوال كان لافتاً أن تمهد إدارة بايدن لخلفها ترامب طريق الشرق ‏الأوسط، وبما يجعلها تستريح هنا لتركز على الصين و«روسيا»، وكان ‏لافتاً أيضاً أن تمهد لها في روسيا عبر السماح للنظام الأوكراني ‏باستهداف عمق الأراضي الروسية بصواريخ غربية بعيدة المدى تم ‏تزويدها بها، ويأتي هذا التمهيد بصورة معاكسة كلياً للمتوقع، وهو أن ‏تعمل إدارة بايدن على تعقيد وتصعيب ولاية ترامب ما أمكنها ذلك، وهو ‏ما دفع المحللين باتجاه الحديث عن «تواطؤ» جمع بين الإدارتين في ‏سبيل أن يكون التركيز في السنوات الأربع المقبلة على الصين وقطع ‏امتداداتها، بمعنى تحالفاتها الدولية، وأهمها مع روسيا، قبل أن يتم التوجه ‏للتعامل مع الحلفاء من المستوى الثاني، مثل كوريا الديمقراطية على سبيل ‏المثال لا الحصر.‏
بالمقابل، يمكن القول إن ترامب رد «جميل» بايدن، فابتعد هو ومرشحو ‏إدارته، عن التصريح والتعليق «حتى كتابة هذه السطور» على اتفاق ‏وقف إطلاق النار في لبنان، في سبيل أن يكون إنجازاً محسوباً لبايدن في ‏نهاية خدمته.. وكان من إدارة بايدن أن جددت تأكيدها أمس الأربعاء عبر ‏(البنتاغون) على سماحها لنظام كييف بضرب الأراضي الروسية بصواريخ ‏أميركية، ومثلها فعل الأوروبيون، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا.‏
صحيح أنه كان هناك حرص محسوب ومدروس على حصر مدى ‏الاستهداف بمقاطعة كورسك، كمرحلة أولى، إلا أنها مرحلة سيبني عليها ‏ترامب مساراً كاملاً من التفاوض مع روسيا، وهنا مرد التواطؤ الذي يتم ‏رصده بين بايدن وترامب، وليس علينا سوى انتظار بدء ولاية ترامب ،‏ فهو لن ينتظر طويلاً قبل أن يعلن عن هذا المسار.‏
هذا التواطؤ لا شك بأنه محل رصد من روسيا أيضاً، التي تترقب ولاية ‏ترامب، ومهدت لها بصاروخ «أوريشنيك» الذي وضعته في الميدان في ‌‏21 تشرين الثاني الجاري، للمرة الأولى، وكان أن انشغل الغرب، ولا يزال ‏بهذا الصاروخ، باتجاه المخفي الأعظم مما وصلته ترسانة الصواريخ ‏الروسية من تطور في المدى وفي قوة التدمير، لكنه في الوقت ذاته قابل ‏ذلك بالمزيد من التصعيد، بهدف جر روسيا – ربما – إلى رد فعل أوسع، ‏ثم البناء عليه.‏
في الغرب، تمت قراءة صاروخ أوريشنيك بأنه «ثورة كبيرة» حددت ‏معالم مرحلة تصعيد جديدة في الحرب الأوكرانية وفي الصراع الغربي ‏- الروسي، فهذا الصاروخ يستحيل اعتراضه من أنظمة الدفاع ‏الأوكرانية والغربية «وهذا سيغير تكنولوجيا الحرب بأكملها» وفق المحلل ‏البريطاني ألكسندر ميركوريس.‏
لكن هذا لا يعني أن الغرب سيتخلى عن الاستفزاز والتصعيد، فهذا أمر ‏محسوب إذا ما كان الهدف الوصول إلى الحافة النووية، أو جعل العالم ‏يعتقد أن روسيا تسير فعلاً نحو الحافة النووية، وبما يجعلها تهديداً عالمياً ‏يستوجب رداً عالمياً، ولكن هل إن روسيا بعيدة عن أهداف الاستفزاز ‏الغربي، وضرورة أن تحسب خطواتها بدقة، وتالياً كيف يمكن لها في ‏المرحلة المقبلة أن ترد، وهل تنجح أميركا في حشرها في خيار إجبارية ‏توسيع الرد بما يحقق لأميركا أهدافها الخبيثة؟

Amin daryoussi, [28/11/2024 12:49 م]
صحيفة «إزفستيا» الروسية ترى أن «الغرب لا يخشى من التصعيد، ليس ‏لأنه يقلل من شأن موسكو، بل لأنه لا يؤمن بعزمها، ولذلك فإن المهمة ‏الأساسية أمام روسيا هي إقناع خصمها بعكس ذلك، وبالتالي ثنيه عن ‏الاستمرار في رفع درجة التصعيد».‏
وتضيف: على رأس الأسئلة يتربع سؤال عما إذا كان البيت الأبيض ‏سيرد بجولة جديدة من التوتر في الحرب التي يخوضها بالوكالة مع ‏روسيا بأيدي أوكرانيا قبل وصول ترامب.‏
وفي الوقت ذاته – تتابع أزفستيا – يكفي ألا تفعل واشنطن شيئاً، وأن ‏تسمح لكييف ببساطة بمواصلة استخدام الأسلحة البعيدة المدى.. عندها ‏سيتعين على روسيا رفع الرهان مرة أخرى، لنقترب من نقطة خطيرة ‏للغاية، ترتفع معها إلى أقصى درجة فرص توجيه ضربة انتقامية ضد أحد ‏أعضاء (ناتو).‏
المهم هنا أن أميركا ليست في وارد العودة إلى الإطار السابق في التعامل ‏مع روسيا فيما يخص أوكرانيا، فهي ستمنع كل فرصة للاعتقاد أو تثبيت ‏مسألة أن الردع الروسي عبر «أوريشنيك» نجح، بل ستواصل اختبار ‏ردة فعل روسيا «على الأقل حتى يتجاوز الرد الروسي حدود أوكرانيا» ‏وفق (إزفستيا). ‏
التركيز على روسيا في المرحلة المقبلة/ أي ولاية ترامب/ سيترافق حكماً ‏مع تصعيد باتجاه الصين، تجاري بالدرجة الأولى، لكن العسكرة ليست ‏مستبعدة، حيث إن ميدان تايوان جاهز للإشارة الأميركية، كما كان ميدان ‏أوكرانيا.. وترامب بدأ عملياً التصعيد ضد الصين عبر إعلانه استئناف ‏حرب الرسوم الجمركية مع الصين مباشرة بعد تسلمه مهامه. ‏
ولا شك بأن التركيز العالمي سيتحول بالكامل باتجاه الصين- روسيا مع ‏بداية العام المقبل 2025 وكل السيناريوهات متوقعة.‏
كاتب وأكاديمي عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار