الأديب غسان ونوس يتحدث عن التفكير النقدي والإبداعي وعلاقتهما بالثقافة
تشرين- ثناء عليان:
عرّف الأديب غسان كامل ونوس في المحاضرة التي ألقاها تحت عنوان “التفكير الناقد والتفكير الإبداعيّ والثقافة” في المركز الثقافي العربي في مدينة طرطوس بالتعاون مع الملتقى الوطني للإبداع (مواسم)، ضمن احتفاليات أيام الثقافة السورية التفكير الناقد بأنه عمليّة عقليّة، تعتمد على عناصر ومعايير ومعلومات وعلاقات موثوقة أو مبرهن عليها، تؤدّي إلى نتائج منطقيّة محدّدة، يعتدّ بها، في القول والممارسة.
متطلبات ومعوقات
ويتصف التفكير الناقد –حسب ونوس- بأنه موضوعيّ، وإيجابيّ، وبعيد عن العواطف، وصالح حتّى يثبت العكس بعمليّة مماثلة، ويمكن تعميمه، والبناء عليه واستثماره، وهو مصدر سعادة، ومحفّز، يعتمد على التحليل والاستنتاج، ومن متطلّباته: الاستقلاليّة، والثقة بالنفس، والمبادرة والطموح، والبحث عن الأفضل، ويفيد تفكير الناقد باتخاذ القرار الأقرب إلى الصواب، وتصويب المسارات، والتخلّص من الجمود، ومحاكمة المسموعات والأفكار، وعدم التسليم، ومواجهة الإشاعات، وتشذيب الرأي العام، والانفتاح على الأفكار الجديدة، وتنمية القدرات والملكات، وتنقية الموارد، وترسيخ الثقة بالنفس، قوّة الحجّة، ومن معوقاته الاعتقاد الجازم، والأفكار المسبقة، والوقت الضاغط، والهيمنة الخارجيّة، ونقص المعطيات، والخوف الكامن، والعناد، والتبعيّة، وضعف الشخصية، والتزمّت، والتعصّب.
التفكير الإبداعي
ويرى الأديب ونوس أن أهمّيّة التفكير الناقد لا تتوقّف على جانب دون آخر، ولا على زمن دون آخر؛ بل تشمل المجالات جميعها، وفي مختلف الأوقات. وهو ضروريّ للوصول إلى خيارات ملائمة في العمل والإنجاز، وحصر الأخطاء، وتجنّب الإخفاقات والتجارب الفاشلة، والاحتمالات السلبيّة.. أما التفكير الإبداعي فيعرّفه ونوس بأنه عمليّة ذهنيّة تنتج جديداً مغايراً للسائد والمألوف، ويتصف بأنه خلّاق، ومنفتح، لا يعتمد على المنطق أو التحليل، ولا يتقيّد بالحدود، وهو خارج التوقّعات، ومن مقوّماته: الحساسيّة العالية، الحدس، الخيال، الخروج على المألوف، والقدرة على الانطلاق، الجرأة والشجاعة، الطموح والتوق، الموهبة، ومن فوائده أنه يفتح آفاقا جديدة، اليقظة الدائمة، والتخلّص من الرتابة والاعتياديّة، ومن معوقاته: الاتّكاليّة، والخوف، والوهم، والإحباط..
الثقافة وتجلياتها
وعن العلاقة بين التفكير الناقد والتفكير الإبداعيّ بيّن ونوس الحاجة إلى كلّ منهما في كلّ وقت؛ ولكن في المسارات الطبيعيّة، لا بدّ أن يكون الحكم للتفكير الناقد، الذي يقيّم ويصوّب ويطوّر، ويدفع إلى الأمام؛ مع التمنّي والأمل بوحي التفكير الإبداعي، الذي يمكن أن يأتي في أيّ وقت، مؤكداً أنه من دون التفكير الناقد، قد تضلّ السبل، وتضيع السموت، وتتحوّر الغايات، ومن دون التفكير الإبداعيّ، ربّما تفتر الهمم، وتتبلّد الحواس، وتتكلّس المفاصل؛ مع التعوّد والآليّة والرتابة.
وفي الثقافة أكد الأديب ونوس أنها تتضمّن بتجلّياتها المادّيّة والمعنويّة مسارات وسبلاً وأنماطاً ونماذج، يكون للتفكير النقديّ الحضور الأوسع والأوضح، والأكثر ضرورة وديمومة؛ فيما يتمثّل التفكير الإبداعي مكوّنات وأجناساً أخرى؛ لافتاً إلى أن الشرائح الإبداعيّة، لا تتجنّب العبور على مدارج النقد، ولا تعدمها، حتّى من قبل المبدعين أنفسهم، بعد انتهاء فيض الإبداع، أو مبثوثاته، وإشعاعاته.
الثقافة والعلاقة بين التفكيرين
واختتم الأديب ونوس مؤكداً أن كلا التفكيرين الناقد والإبداعي هما أساس الثقافة بتشكيلاتها وتفرّعاتها، وترسيخها، وتعميمها؛ إضافة إلى أنّ الثقافة، تؤثّر إيجابياً في تطوير التفكير النقدي، وتحفيز التفكير الإبداعيّ؛ من خلال ما تزيد في رصيد المفكّرين من إغناء ومقاربة، فتشحذ أدوات التفكير النقديّ، وتزيد من قدرات الملَكات على التحسّس والتحليل والتمييز، وتجعل الاستشعارات أكثر دقة وتركيزاً، وأعمق استهدافاً؛ كما أنّ الثقافة تبثّ إشعاعات وإحساسات متزايدة، توافر في المكنونات والقوى والطاقات، التي تفيض إبداعاً أكثر تنوعاً، وأبعد تحليقاً، وأوسع طوافاً، وأعبق عطراً، وأعمق تردداً؛ فالعلاقة بين التفكير النقدي والتفكير الإبداعي، والثقافة، تواشجية، تناضحية، حلولية، متخالقة، وذات آثار جلية، وأصداء موحية، وأبعاد قزحية.