جبهة لبنان وتسوية محتملة تحكمها إدارتان: بايدن وترامب.. تفاؤل لا يلغي «لكن» لبنانية تستوضح وتنتظر عودة هوكشتاين
تشرين – مها سلطان:
طغت الأخبار المتناقلة بكثافة طوال أمس واليوم، حول سماح أميركا وحلفائها الأوروبيين للنظام الأوكراني باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية، ثم امتناع الرئيس جو بايدن عن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذا السماح.. طغت على المشهد السياسي والعسكري العالمي، ومنها منطقتنا على الأكيد، بل هي في المقدمة.. فإذا ما أخذنا كل التداعيات المحتملة لمثل هذا السماح- إذا ما كان صحيحاً- فإننا أمام شهرين ستعمل فيهما إدارة بايدن على تفجير كل مسارات التسوية والاستقرار بوجه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ليس في أوكرانيا فقط، بل في عموم الجوار الروسي، وفي تايوان ومنطقة المحيط الهادئ، وصولاً إلى منطقتنا.. إنها خطة إدارة بايدن التي تم إعدادها مسبقاً وعن عمد وسابق تصميم على تفشيل إدارة ترامب القادمة وإغراقها في حروب تشغلها عن الداخل، بل إغراق العالم في أتون حرب عالمية ثالثة، حسب المسؤولين المرشحين في إدارة بايدن.
العالم أمام شهرين خطيرين قد تعمل إدارة بايدن فيهما على تفجير كل مسارات التسوية بوجه إدارة ترامب المقبلة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط
صحيح أنه كان هناك نوع من التراجع الأوروبي اليوم، تخفيفاً لحدة ما ذهبت إليه التصريحات وردود الأفعال، وتطرف التحليلات، إلا أن الموقف الأميركي لم يغادر دائرة اللاتعليق، كأن إدارة بايدن تريد القول لإدارة ترامب القادمة (والتي تعجلت وأفرطت) إنها لا تزال في موقع السلطة وإنها قادرة على قلب الطاولة، وتدفيع ترامب ثمن فوزه مُقدماً، وفي الوقت ذاته العمل مجدداً على استعادة رصيد الديمقراطيين والإضافة عليه، تمهيداً للمرحلة الترامبية المقبلة، فإما ينجح الديمقراطيون في عزله أو ينجحون في إغراقه بالأزمات داخلياً وخارجياً فتكون ولايته بلا جدوى، بل كارثية بعبارة أدق.
ولأن هذا السماح، الآنف الذكر، هو فتح لباب الحرب على مصراعيه مع روسيا فإن ما بدا انتقالاً سلمياً للسلطة في البيت الأبيض سيقابله انتقال عنيف في العالم، فإذا ما فعلتها الإدارة الأميركية الديمقراطية في أوكرانيا، فإنها ستفعلها أيضاً في الشرق الأوسط، وعليه فإن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ستستمر، وقد يستغل الكيان الإسرائيلي هذا «الفعل الديمقراطي» لتوسيع الضربات باتجاه إيران وبما يفتح جبهة ثالثة في وجه ترامب في المنطقة، فحتى الآن ما زال الكيان يرى أن استمرار الحرب يخدمه أكثر من وقفها، وأنه لا بد من استغلال المشهد العسكري في المنطقة لضرب إيران في ظل الهدف الإسرائيلي المعلن لناحية «تغيير وجه الشرق الأوسط».
هوكشتاين.. يعود/ لايعود
إذاً ما زال أمام المنطقة والعالم شهران قبل تنصيب ترامب المقرر في 20 كانون الثاني المقبل، أي ما زال أمام إدارة بايدن شهران، وهما باعتقاد الأغلبية كافيان لتخريب مسارات السلام والاستقرار التي يعد بها ترامب، وهو بدأ عملياً منذ اليوم التالي لفوزه، بعد 5 تشرين الثاني الجاري، بإعلان خططه ومرشحيه ومبعوثيه، إلى جانب لقاءات واتصالات تمهيدية، ومنها ما قيل إنه أعطى ضوءاً أخضر للمبعوث عاموس هوكشتاين لاستكمال مهمته، ومن المفترض- حتى كتابة هذه السطور- أن يعود هوكشتاين إلى العاصمة اللبنانية بيروت غداً الثلاثاء، قبل التوجه إلى الكيان الإسرائيلي لمناقشة مقترح أميركي من 13 بنداً، ويبدو أنه مقترح يحظى بمباركة ترامب، علماً أنه من غير المعروف ما إذا كان هذا المقترح فيه بنود ترامبية، أم هو مقترح من إدارة بايدن فقط، فالضوء الأخضر من ترامب لهوكشتاين يعني أن هذه البنود منسجمة كلياً مع ما يريده ترامب بخصوص إنهاء الحرب على جبهة لبنان.. إلا إذا كان هوكشتاين يحمل على هامش هذه البنود الـ13 مساراً موازياً قد يكون ترامب اقترحه على هوكشتاين.
ما بدا انتقالاً سلمياً للسلطة في البيت الأبيض سيقابله انتقال عنيف في العالم – كما يبدو- وتحذيرات من أن ميدان المنطقة قد يمتد إلى إيران
بالعموم فإن وسائل الإعلام تعمل على إشاعة جو إيجابي على زيارة هوكشتاين هذه المرة، عبر القول إن لبنان (الحكومة وحزب الله) قاب قوسين من الموافقة على المقترح الأميركي… و«لكن».
لم تستطع وسائل الإعلام تجنب الـ«لكن» التي تلغي عملياً كل ذلك الجو الإيجابي.. صحيح أن هذا المقترح هو أفضل ما تم تقديمه، ليأخذ طريقة إلى التفاوض على أرضية التفاؤل (وفق مصادر حكومية لبنانية) إلا أن الشيطان لا بد أن يكون حاضراً في التفاصيل، مادمنا نتحدث عن الكيان وعن الدعم الأميركي المطلق له.. وعليه ليس بالضرورة أن يعود هوكشتاين بموافقة لبنانية نهائية، علماً أنه إذا ما كان الوضع مستمراً ضمن الـ«لكن» فإن هوكشتاين قد لا يعود، إذ سبق وصرح بذلك غير مرة.
يضاف إلى ذلك أن هناك بوناً شاسعاً بين مسار التسوية وبين الميدان الذي يسجل تصعيداً كل يوم.. إلى جانب فرض لوجستيات إسرائيلية على الأرض يعمل الكيان على فرضها ضمن أوراق التفاوض، وإذا ما عدنا إلى دائرة الـ«لكن» اللبنانية، نجد أن الكيان لا يريد تسوية ولا وقفاً لإطلاق النار، بل هو يعمل على كسب الوقت، كما حصل في مرات كثيرة، وهذا ما يُبقي الـ«لكن» قائمة.
حزب الله ما زال في الميدان
في الأثناء، يعمل الكيان الإسرائيلي على رفع وتيرة التدمير والقتل والاغتيالات في غزة ولبنان، رغم أن كبار متزعميه العسكريين والسياسيين» يعترفون بأن الضربات الموجعة للمقاومة اللبنانية/ حزب الله لم تحقق هدف إنهاء المقاومة وإضعاف الحزب.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية فإن الأغلبية الساحقة من كبار جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى إنهاء الحرب على الجبهة اللبنانيّة، من أجل دفع العجلة باتجاه وقف العدوان على قطاع غزّة وإطلاق الرهائن، ولكن مع ذلك، كما أكّد مُحلِّل الشؤون العسكريّة في «هآرتس» عاموس هارئيل، فإنّه على الرغم من الضربات القويّة التي تلّقاها حزب الله، فما زال يُحارِب ويُقاوِم، لذا يجب توجيه ضرباتٍ أخرى للحزب بالقرب من نهر الليطاني والبقاع وبيروت بهدف ردعه، على ما نُقل عن مصادره الأمنيّة الرفيعة.
بدورها، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر أمنيّة وُصِفَتها بأنّها واسعة الاطلاع، أنّ حزب الله لديه ما يكفي من الصواريخ لإرسال ملايين المستوطنين إلى الملاجئ كلّ يومٍ، مشددةً في الوقت عينه على أنّ هذا الأمر يشكّل إنجازاً يُنهك «إسرائيل» وبما سيقود لاحقاً إلى تخفيف مطالبها في المفاوضات.
في السياق نفسه، لفتت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إلى أنّ مسؤولين أمنيين إسرائيليين يخشون حرب استنزاف في حال توسعت العمليات العسكرية في لبنان، معتبرين أن التوغل الإسرائيلي في لبنان، للضغط على حزب الله، أمر محفوف بالمخاطر.
الكيان يرفع ويوسع وتيرة التدمير والاغتيالات لكنه بالمقابل يعترف بأن حزب الله ما زال قوياً وقادراً على إرسال ملايين المستوطنين إلى الملاجئ كل يوم
وأبدى مسؤولون إسرائيليون في حيفا تخوفهم من صواريخ ومسيّرات حزب الله التي تتساقط بشكلٍ متزايد عليها، وقالت وسائل إعلام إسرائيليّة: إنّ حزب الله ينفّذ تهديده بأنّ «ما يسري على كريات شمونة سيسري على حيفا، وفعلاً يُمطر حيفا بالصواريخ ويرسل سكانها إلى الملاجئ».