حديث الشاهد والمشهود !
من كان يتصور أنّ العالم في القرن الحادي والعشرين هذا الذي يدّعي التحضر يتغافل عن أكبر جريمة يشهدها التاريخ الحديث والقديم على حدٍّ سواء، ويتمثل بتجويع مليوني إنسان وحصارهم ضمن منطقة أصبحت كالأخدود ورميهم بالنار والصواريخ والأوبئة وإنذارهم بالموت أو الفرار من النيران..ومن ثم الاستمتاع بهلعهم وهم يركضون من موت إلى موت..من حيز إلى آخر يحملون أطفالهم ومرضاهم وعجائزهم وما أبقت لهم الحرب من أسمال بالية.. يصرخون ويبكون وينهارون أمام شاشات القنوات الفضائية..ولأن الإنسان هو محور الحياة..يسود الصمت الرهيب ..
يصعب حتى على شهرزاد وصف ما يحدث في غزة وجنوب ولبنان ولماذا يحدث وكيف يحدث..في ليلة كالحة السواد تبدأ الحكاية ..تهرول الشخصيات في دهاليز الزمن وتختبئ خلف بوابات سحرية فتجتاز الحاضر إلى الماضي تارة.. ثم تعبر إلى المستقبل تارة أخرى .. تبحث في الزمن عن النجاة وعن أسباب بقاء الذكر!
ألف ليلة وليلة أكانت حكاياتها حقيقة ؟!
تبحر شهرزاد في سفينة العقل بحكمتها المشهودة التي أنقذتها من سيف شهريار إلى الحرية، إلى عصور ربما لم تأتِ بعد حيث العدل والحق بعيداً عن الظلم عن الدسائس والخيانات والمؤامرات والمفاجآت المؤلمة.. في هذا الكون الرائع لا بدّ من شاطئ تعيش فيه الأحلام بطمأنينة وهدوء وسلام ..
لا خلاص من الفتن والحروب إلّا بالحب.. فهو معراج الروح يرتقي بها من حال إلى حال، وشهرزاد تستنير بنور الحق فترى طريق الخير من الشر وفي كلّ صفحة من ألف ليلة وليلة كانت تلتجئ وتحتمي بقوي عزيز هو المتصرف في هذا الكون لا يراه الظالم لكنه يخشاه في قرارة نفسه ؟؟ ويشعر المأزوم بلطفه فيراه في كل ما حوله.. وقد باتت الحياة في خطوطها ترسم لكل شخصية في الحكاية ما خصص من الوظائف.. حتى النحلة مسوقة تجمع العسل من الأزهار .
وفي الجانب الآخر نجد شهريار شاهراً غضبه يمتطي صهوة التعجرف والكبر فتصيبه سهام البلاء بقدر إمعانه بالبعد عن ضميره فيضع أصابعه في آذانه كي لا يسمع الحق ويركز بصره على غشاوة الرؤى فيصير منصة للعذاب محروماً من كل خير .
والناس في ألف ليلة نوعان لا ثالث لهما إما محدِّثٍ بالشر يحزن كل من حوله ويؤذيهم تارة بطرق باطنية خفية قد لا تراها العين ولا تدركها الحواس..بل يشعر بها من يتلظون بناره في سرهم أو يدركونها بأنفسهم عندما تأتيهم بذاته , وهكذا يتلبس الأشرار بألسنتهم المحدثة بكل ما فيه ضرر الآخرين وتعاستهم وشقوتهم .
على الضفة الأخرى تجد الإنسان البطل لا تهزمه صيحات العدو ولا يخشى الشهادة، فهو المعطاء المعين على رد العدو ودفعه وهؤلاء لهم الفوز والغلبة حيث يظهر الحق على لسانهم وتتفتح قلوبهم بالعلم والإيمان فينشأ في أنفسهم الرضا ويهبّون بإصلاح أنفسهم مما قد يعلق بها.. من غبار التخاذل والنفاق فتغدو طيبة طاهرة .
كل يوم نفتح صفحات جديدة من ألف ليلة وليلة..حكايات عن الجوع والتدمير والإبادة حكايات يشيب لهولها شعر شهريار.. ويختبئ من وحشيتها الأطفال تحت الأغطية وترتجف النساء من هول الكوارث ..ما يحدث اليوم وتراه العين ويسكت عن ظلمه العالم أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة ..