وسائل نَقْل أم نَقَّالة؟

لا أنقل لكم خبراً جديداً بأن وضع وسائل النقل العامة لن يتحسن في المدى القريب، وأن نظام تحديد المواقع “الجي بي إس” الذي غُرس في جميع السرافيس ليس كفيلاً بتخطي التقصير ولا التجاوزات في الإتجار بمخصصات مازوت على حساب المواطن المسكين، حتى أن آخر الابتكارات المفروضة على السائقين، والمتعلقة بـ”مستشعر البصمة” التي تجبرهم على الالتزام بالسير إلى آخر خطوطهم لن تأتي أُكُلَها المرجوّة، لأن جميع تلك الحلول تغض الطرف عن المشكلة الأساسية التي هي زيادة مخصصات الوقود لوسائل النقل العامة لتحقيق “لزوم ما يلزم”، وليس البقاء في “لزوم ما لا يلزم” وأمثلته آنفة الذكر.
الموضوع هنا ليس شِعراً يستدعي المرء -سائقاً كان أم مواطناً- أن يُنقِّل فؤاده حيث شاء من الهوى على قولة أبي تمام، كما أنه لا يوجب الخوض في معضلات رياضية ومعادلات من الدرجة العاشرة، تنتهي بإيجاد “النَّقل” لحل هذه الفوضى، والنَّقل هنا “الطريق المختصر” كما تشير معاجم اللغة العربية، لأن الأمر يحتاج ببساطة إلى الانتقال من الاستثمار بالمشاكل، الذي بات فلسفةً جديدة لدى أصحاب الأمر والنهي، إلى التفكير الجدي بحلِّها، وإيجاد الوسائل المُجدية لذلك.
ورجائي الأكبر ألا يتنطَّع أحدهم ويقول أن إكثار باصات النقل الداخلي سيُنهي المشكلة، لأن ذلك لا يتعدى كونه تنقيل طرابيش استثمارية، تتيح لأصحاب الاستثمارات في تلك الباصات مزيداً من الأرباح، من دون أي مكاسب تصب في مصلحة المواطنين الذين باتت تُسفَح كراماتهم على الطُّرقات، وفي الانتظارات المريرة لموطئ قَدَم في إحدى وسائل النَّقل العامة، حتى أن أغلبهم بات يُفضِّل “النَّقْل” بمعنى النَّعْل أَو الخُفّ، إن استطاع إليه سبيلا، لأنه يشعر أن سيره على الأقدام أقل تكلفةً على المستوى النفسي الإنساني، ولو كان تحت قيظ الصيف وفي زمهرير الشتاء، خاصةً أنه بات يشعر بأن الباصات والسرافيس لم تعد في خدمته، إلا بوصفها “نقَّالة” مُهترئة لن تستطيع إيصاله إلى مبتغاه في ظل كثرة المطبات التي تعترضها بمعناها الواقعي والمجازي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار