«ملف تشرين».. بين الموارد المحلية والدعم الدولي.. بطاقة بحث مستعجلة عن مصادر لتمويل إعادة الإعمار
تشرين– غيداء حسن:
لم تسعف الظروف الضاغطة والحرب والحصار الخانق وتدني الواقع الاقتصادي نتيجة ذلك، سورية في أن تلملم جراحها وتعيد إعمار ما خربته الحرب من دمار طال كل شيء، وأثّر سلباً في كل مكونات البلد الاقتصادية والاجتماعية والمالية وغير ذلك من انعكاسات.
اليوم باتت إعادة الإعمار حاجة أكثر من ملحة، لكونها القوة المنشطة للاقتصاد والصناعة والتجارة وغيرها، وباتت المشكلات أكبر بكثير من أن تحتمل، وليس أولها أزمة السكن الخانقة، التي تسببت بها الحرب من تهجير للكثيرين من مناطقهم ولجوئهم إلى المدن أو إلى محافظات أخرى بعد أن دُمرت كل مقومات حياتهم في مناطقهم، وبات لابد من توفير بيئة استقرار ملائمة لمعاودة هؤلاء للانطلاق من جديد في مناطقهم وإنعاشها عبر تفعيل الزراعة والصناعة والتجارة، وما إلى ذلك من قطاعات، فهل سورية قادرة بمفردها على دفع فاتورة إعادة الإعمار وفاتورة انعكاسات حرب ودمار طالتها عنوة؟! وكيف السبيل إلى ذلك؟
مبالغ كبيرة
يؤكد الباحث الاقتصادي الدكتور حيان سلمان أن إعادة إعمار وبناء سورية بعد 13 عاماً من التدمير الممنهج والحرب الممنهجة عليها تترتب عليها مبالغ كبيرة، ولنكن واقعيين من الصعوبة تأمينها من مصادر داخلية، لذلك يجب أن تكون هناك جهات عدة تموّل في هذا الموضوع أو تسهم على الأقل في التنمية.
من الصعوبة تأمينها من مصادر داخلية
و من أهم الجهات، يرى د. سلمان أولاً المصادر الداخلية، وهذه تنقسم إلى عدة أقسام، القسم الأول هو من أموال الموازنة العامة، ويخطط لها بشرط أن يتم اختيار مشروعات ذات مردودية سريعة، بحيث تعوض التكاليف التي أنفقت على هذا المشروع وبأسرع وقت ممكن، ويمكن أن تخصص هذه الموازنة لإعادة البناء والإعمار ولا يخفى على أحد أن قطاع العقارات يحرك معه الكثير من القطاعات الأخرى (الحدادة والنجارة وأعمال البناء إلى ما هنالك)، كما يشغل أيدي عاملة كثيرة، وبالتالي من هنا يمكن أن تكون نقطة البداية.
سندات إعمار
النقطة الثانية التي أشار إليها د. سلمان هي أنه يمكن أن تطرح الحكومة سندات إعمار وبناء بفوائد معينة وتطرح للشراء والبيع والاستثمار وتخصص هذه المبالغ المحصلة لهذا الموضوع من خلال سندات خزينة يوضع لها اسم مثلاً سندات إعمار وبناء بفائدة معينة، تتم دراستها من المصرف المركزي في سورية، ويوضع لها صندوق خاص في أحد المصارف يدعى صندوق إعادة الإعمار أو صندوق الاستثمار والبناء أو أي اسم آخر.
التشاركية بين العام والخاص في بناء تجمعات سكنية أو بالترميم وفق عائد ومردود يُتفق عليه
التشاركية
النقطة الثالثة يمكن أن يسهم فيها القطاعان الحكومي والخاص من خلال التشاركية ببناء تجمعات سكنية أو بالترميم، وهذا الترميم يمكن أن يتم وفق عائد ومردود يُتفق عليه، ويمكن هنا أن يفعل موضوع التشاركية بهذه الطريقة.
الاعتماد على المغتربين
د. سلمان يرى أنه يمكن الاعتماد على الإخوة السوريين المغتربين في الخارج وخاصة رجال الأعمال، وكلهم أثبتوا وطنيتهم ويمكن أن يسهموا في إعادة الإعمار، وأعتقد أنهم جاهزون لذلك، لاسيما بعد أن شعروا بأن الحضن الدافىء لهم هو حضن الوطن، وخاصة بعد المشكلات الكثيرة المالية والسياسية والاقتصادية في بعض الدول التي هاجروا إليها.
يمكن الاعتماد على المغتربين في الخارج وخاصة رجال الأعمال
كما يمكن توجيه الأموال المخزنة في صناديق التأمينات الاجتماعية بأن تخصص لهذا الموضوع، ويمكن أيضاً العمل على إصدار طابع خاص بقيمة معينة من دون أن يشكل إرهاقاً على المواطن مثلاً باسم رسم طابع لإعادة الإعمار والبناء.
قروض بشروط ميسرة ومضمونة
موضوع تقديم قروض بشروط ميسرة ومضمونة من المصارف أو المنظومة المصرفية، خاصة من المصارف الخاصة إلى الفعاليات الاقتصادية لتقوم بإعادة الإعمار والبناء ووفق خطط زمنية وبرامج مكانية، يرى د. حيان أنه أحد الحلول، فهو يركز على البحث أولاً في المصدر الداخلي حتى لا نقع في مطب المديونية، فإذا لجأنا إلى المديونية ففيها بالحقيقة الكثير من المشكلات التي لا يتسع المجال للحديث عنها.
المصادر الخارجية
يمكن الاعتماد على المصادر الخارجية –حسب د. سلمان- وهي على عدة أنواع، ومن أهمها اللجوء أولاً إلى الدول الصديقة مثل منظمة مجموعة “بريكس”، خاصة بعد أن توسعت، ومنظمة شنغهاي والاتحاد الأوراسي، ويمكن الاعتماد على بنك المشرق الذي رأسماله بحدود أكثر من مئة مليار دولار وهو بتوجيه صيني، وأيضاً الاعتماد على الشركات الصينية والروسية والإيرانية على أساس أن تقوم ببناء وإعادة الإعمار، سواء كان بالسكن الخاص أم بمشروعات اقتصادية، على أن يتم سداد ما يترتب عليها مستقبلاً إما بالبيع المباشر للمواطنين كبناء ضواحٍ سكنية وبناء مشروعات اقتصادية وأن تسهم بإدارتها أو تغير في انتقال الإدارة إليها وإلى القطاع الحكومي.
الاعتماد على المصادر الخارجية ومن أهمها اللجوء أولاً إلى الدول الصديقة
اللجوء إلى المنظمات
ويشير د. سلمان إلى أنه يمكن اللجوء إلى المنظمات الحكومية والدولية، ولاسيما غير المسيسة، كالبنوك التي أوجدتها دول المشرق، والاعتماد عليها، لكنه اقترح الابتعاد عن صندوق النقد والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لأنهما مسيّسان ويغلب عليهما الطابع السياسي أكثر من الطابع الاقتصادي.
الهبات والتبرعات والمساعدات
الهبات والتبرّعات والمساعدات لم تكن غائبة عن مقترحات د. سلمان، ويرى أن هذا دور السفارات في الخارج، إذ يمكن أيضاً أن تقوم بعمل ترويجي رسمي مقابل تقديم عمل حول الإعلان عن مساهمة إحدى المؤسسات أو المنظمات عن الأموال الساخنة التي تنتقل في العالم من أجل توظيفها ضمن قنوات استثمارية.
إذاً موضوع إعادة البناء والإعمار يحتاج إلى عقلية اقتصادية تنطلق من تحديد المصادر وتوجيهها إلى قطاعات معينة ذات مردودية تدر على خزينة الحكومة من جهة وعلى صاحب المشروع من جهة أخرى.
ماذا عن مساهمة الدول العربية؟
خيار الاعتماد على الدول العربية يراه د.سلمان ممكناً، خاصة بعد عودة مقعد سورية إلى القمة العربية وعقد قمة السعودية وقمة البحرين والمطالبة بعودة المهجرين نتيجة أعمال العصابات الإرهابية، وكذلك المطالبة بتأمين ظروف الحياة لهم، لكن الحقيقة هي أن أكثر المناطق قد دمرت في عدد من المحافظات السورية وأكثر قطاع تعرض للتدمير هو قطاع البناء، وبالتالي هنا يمكن أن تسهم الصناديق العربية في دعم عملية إعادة الإعمار، وكل هذه الأمور متاحة لا سيما بعد الدعم الكبير الذي وجدته سورية من بعض الدول العربية.
بشكل تشاركي
وأكدت وزارة الإدارة المحلية والبيئة أن مفهوم إعادة الإعمار هو عبارة عن مجموعة عمليات وإجراءات تنجم عن خطط واستراتيجيات يتم إعدادها بشكل تشاركي وفي إطار من التكامل بين الوزارات والجهات العامة والخاصة والأهلية بكل أطيافها وفئاتها ومستوياتها، وتكون تلك الخطط والإستراتيجيات قائمة على حجم الاحتياج من جهة وأولويات التدخل من جهة أخرى ليتم وضع رؤية وتصور المناطق التدخل.
اللجوء إلى المنظمات الحكومية والدولية لاسيما غير المسيّسة
وأشارت الوزارة إلى أن دورها يظهر كغيرها من الوزارات، لكونها تعنى بالوحدات الإدارية على كامل الجغرافيا السورية، وتتميز عن غيرها من الوزارات باعتبارها المسؤولة والمكلفة متابعة المشروعات المتعلقة بالبنى التحتية والخدمات من خلال لجنة إعادة الإعمار، كما أن لها الدور الأساس بعمليات التنسيق وتنظيم عمليات الدعم والمساندة لكونها المعنية باللجنة العليا للإغاثة.
دور تنسيقي
وعن توجهات الوزارة بشأن الرؤية والتصور والمخطط المناطق الأولوية لجهة كيف ستبدأ إعادة الإعمار وأولوياتها ومن سيمولها، أوضحت الوزارة أن لها دوراً تنسيقياً مع بقية الوزارات والجهات ودوراً توجيهياً وتنظيمياً لرصد وحصر حجم الأضرار من خلال المحافظات واللجان الفرعية المشكّلة لديها بهذا الخصوص، وآليات جمع البيانات من خلال الوحدات الإدارية في كل محافظة، وينتقل هذا الدور إلى المساندة والتكامل مع بقية الوزارات والجهات ذات الصلة لوضع الرؤى، حيث تبنى تلك الرؤى والتصورات وفق الإمكانات المتاحة والخطط القابلة للتنفيذ. أما فيما يتعلق بالمساعدات من المنظمات الدولية فإن ذلك يبقى منوطاً بسياسات الدولة وآليات التنسيق القائمة .
اقرأ أيضاً: