«ملف تشرين».. الضوابط الصارمة تنعش المخالفات السكنية في الأرياف.. عقدة بين «الزراعة» والسكان تنتظر تدخلاً جاداً
تشرين- بادية الونوس:
قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا توجد تعقيدات للسكن في الأرياف، فالأراضي متوفرة وبمساحات كبيرة، لكن على أرض الواقع غير مسموح البناء عليها، ولهذا تبعات سلبية لا تخفى على أحد من هجرة قسرية للمدينة وزيادة في الغلاء العام وضغط على المدينة، والسؤال لماذا لا يتم الاعتماد على بيوت بيتونية أو مسبقة الصنع متنقلة قد تشكل الحل لمن يعنيه الموضوع، وهي تتميز بسهولة الفك والتركيب والنقل، وتعد حلاً في متناول اليد ما دامت لدينا جهات عامة تنفذها بمواصفات مضمونة؟
في المقابل لوزارة الزراعة أسبابها، إذ ترى أن السماح لما يسمى ببناء البيت الريفي أدى إلى ظهور فلل وقصور في بعض المناطق والنتيجة المزيد من تآكل الأراضي الزراعية، وفي حال السماح بالبيت المتنقل أو العادي، فهذا يحتاج إلى قوانين ومعايير تدرسها الجهات المعنية.. في حين يؤكد د. زياد مهنا من كلية الهندسة المعمارية أن الاعتماد على البيوت البيتونية المتنقلة يحتاج إلى بنية تحتية، وهذا الأمر سيؤدي إلى إنشاء مناطق مخالفات، ولهذا تبعات سلبية.
هذه النقاط وغيرها كانت مثار بحث موضوعنا هذا.
مستودع فقط
بداية، لماذا تمنع وزارة الزراعة البناء؟ ما مبرراتها؟ يؤكد مدير الأراضي والمياه في الوزارة الدكتور جلال غزالي أنه في الماضي كان يسمح ببناء سكن يسمى البيت الريفي، لكن ما حدث أن هذا البيت تحول إلى فلل، والنتيجة تآكل وقضم المزيد من الأراضي الزراعية، لذلك وللحفاظ على الأراضي الزراعية عمدت وزارة الزراعة إلى إصدار قرار يسمح ببناء ما يسمى المستودع الزراعي.
نحتاج قوانين
من وجهة نظر د. غزالي تعد الأراضي الزراعية مورداً طبيعياً غير قابل للتجديد، ويعتبر أن التوسع العمراني على الأراضي الزراعية من التعديات التي تواجه الحفاظ على هذه الموارد واستدامة استثمارها للأجيال القادمة.
د. غزالي: السماح بالبناء على الأراضي الزراعية أدى إلى ظهور فلل وقصور في بعض المناطق والنتيجة تآكل الأراضي الزراعية
وبيّن أن عملية معالجة المخالفات والبناء على الأراضي تخضع لجملة من القوانين والأنظمة النافذة لدى مختلف الوزارات من “إدارة محلية وأشغال عامة .. إلخ”، ولاسيما المرسوم 40 لعام ٢٠١٢ والقوانين 16 و17 لعام 2022.
السماح ببناء مستودع فقط
إذاً كيف أشجع المزارع على العمل في أرضه إذا كان غير قادر على البناء وتأمين سكن له ولأبنائه؟
يبين غزالي أنه يسمح للفلاحين بموجب القرار رقم ٣٣١٤ لعام ٢٠٢٢ الصادر عن وزارة الأشغال العامة ببناء مستودع زراعي لخدمة أراضيهم بمساحة لا تتجاوز ٢٥ متراً مربعاً، ويمكن أن يكون غرفة سكن وخزان مياه، مؤكداً أن السماح ببناء سكن عادي أو متنقل يحتاج إلى دراسة من الجهات ذات الصلة لوضع المعايير والشروط اللازمة للتنفيذ.
بشروط
وأضاف غزالي: إن وزارة الأشغال العامة أصدرت القرار رقم ٣٣١٢، وتم بموجبه السماح ببناء بمستودع زراعي يعد مكاناً مخصصاً للمعدات والأدوات الزراعية، وحدد الحد الأدنى للمساحة لبناء المستودع بـ 10 دونمات في الأراضي المروية و٢٥ دونماً في البعلية، وفق المرسوم التشريعي.
د. غزالي: يحتاج السماح إلى بناء سكن عادي أو متنقل إلى دراسة لوضع المعايير والشروط اللازمة للتنفيذ
وبيّن أن المرسوم حدد مساحة المستودع على أرض بمساحة ٢٥ متراً مربعاً، مع السماح ببناء قبو وغرفة على سطح المستودع لإقامة المزارع من دون خدمات أخرى وبارتفاع إجمالي لا يتجاوز6,5 أمتار، مشيراً إلى أنه حدد مكان البناء على التكشفات الصخرية وغير الثابتة للاستثمار الزراعي والمكان الأقل خصوبة من الأراضي في حال عدم توفر التكشفات.
بيوت متنقلة.. ولكن!
قد يغيب عن أذهان البعض أن الاعتماد على البيت البيتوني المتنقل أو حتى المسبق الصنع حل بعد إصدار القوانين اللازمة، وتسعى مؤسسة الإسكان العسكرية بفروعها كلها المنتشرة في المحافظات إلى إنتاج البيوت المتنقلة بكامل تجهيزاتها من غرف وبلوك خفيف وبركاني..إلخ، مع إمكانية النقل بآلية المؤسسة وتلبي طلبات الأفراد والجهات العامة، وذلك بعد تقديم الموافقات اللازمة من الجهات المعنية.
ووفق مدير مكتب التوجيه السياسي والإعلام محمد علي سليمان تنتج المؤسسة غرفاً معدنية معزولة حرارياً بالصور البازلتي، وتتميز بأنها تحقق شرط السكن الحديث وتحقق وفرة كبيرة، وخاصة بالطاقة عند استخدامها التدفئة والتكييف، كما أنها مقاومة للحريق وغير قابلة للاشتعال، ما يوفر درجة أمان عالية، ويوفر حاجة الناس للسكن السريع ويحقق شروط السكن المريح ووفراً في أجور النقل والتحميل لخفة وزنها .
سليمان: الإسكان العسكري تنتج البيوت المتنقلة وتلبي احتياجات الأفراد والجهات العامة
وأضاف سليمان: إن المؤسسة تنتج (بلوك مسامي خفيف حبيبات الفلين)، يقلل من الإجهادات والأحمال على البناء، إضافة إلى تحقيق وفر كبير في الأجور والسرعة في البناء، وتالياً إمكانية زيادة عدد الطوابق، وكذلك (بلوك بركاني) يتميز بالعزل الحراري والصوتي، و(بلوك دبل مفرغ) يتميز أيضاً بالمتانة وقوة التحمل والسرعة في البناء ويوفر في أجور الأيدي العاملة.
غرف مسبقة الصنع
وتحدث سليمان بأن المؤسسة تنتج غرفاً مسبقة الصنع بأبعاد مختلفة ويمكن الاستفادة منها كوحدات سكنية، وتمتاز بمساحات مختلفة حسب رغبة وتصميم الجهة المستفيدة (إدارية، سكنية)، مشيراً إلى أن الأبنية المسبقة الصنع تتميز بسهولة الصنع والفك والتركيب في أماكن مختلفة، ناهيك بالمتانة والجودة، إضافة إلى قدراتها في مقاومة الزلازل مقارنة مع الأبنية المصبوبة بالمكان، كما تمتاز هذه الأبنية بتخفيض نسبة الهدر والتوفير في أجور الأيدي العاملة والسرعة في إنجاز العمل.
ولفت سليمان إلى أن المؤسسة تنتج أيضاً غرفاً بيتونية مسبقة الصنع يتم تصنيعها في فروع المؤسسة في كل من دمشق وحمص واللاذقية مع إمكانية النقل إلى المحافظات، ويمكن تفصيلها حسب الطلب، بحيث تتكون من طابق أو طابقين مع كامل الخدمات اللازمة للسكن وحسب المطلوب.
ليست حلاً
أمام ما تقدم من معطيات، لأهل الخبرة وجهة نظر مختلفة، إذ يرى الأستاذ في كلية الهندسة المعمارية الدكتور زياد مهنا أنه لا توجد مشكلة بناء أو سكن في الأرياف، وفي كل عام تنجز دراسات لتوسعات سكنية جديدة تلبي الحاجة المتزايدة وتدرس النمو السكاني، مشيراً إلى أنه تم السماح بموجب قرارات للفلاح ببناء غرفة واحدة أو مستودع زراعي، هذا ما سمحت به الجهات المعنية.
د. مهنا: الحل بتخطيط سليم ودراسات دقيقة ومراسيم تحدد فيها الأراضي المخصصة للسكن بما يلبي الاحتياجات
وبين د. مهنا أنه إذا ما تم السماح بإقامة بيوت متنقلة في الأراضي الزراعية، فهي ليست حلاً لأنها ستنتشر وتصبح مستقبلاً ما يشبه منطقة مخالفات، وتالياً تحتاج إلى بنى تحتية من مياه وكهرباء وهاتف.. إلخ، ناهيك بأن الأراضي الزراعية تتآكل وتضيق في حال انتشار السكن العادي أو حتى البيتوني أو المتنقل بأنواعه، بما فيها الموافقة على إشغالات سكنية بسيطة، مشيراً إلى أن عدم السماح بالبناء له أسباب موجبة، ومناطق الغوطة مثال على ذلك.
مرتبطة بظروف معينة
وبيّن أن انتشار أو السماح للبيوت المتنقلة يكون مرتبطاً بظروف معينة مثل حدوث كارثة ما، أو ظرف استثنائي يتم فيه الاعتماد على هذا النوع من البيوت، وهي موجودة في كل دول العالم، لكونها سهلة الفك والتركيب ومرتبطة بفترة الكارثة، وهذا ما تم تنفيذه في منطقة الحرجلة، حيث أحدثت بيوت متنقلة ما يسمى سكن إيواء، ولكن في حال كانت سكناً متكاملاً ودائماً، فهذا يعني توسعاً عمرانياً وغير مقبول على المستوى التنظيمي والاستراتيجي، لأننا في هذه الحالة نذهب باتجاه الفوضى، والحل من وجهة نظره يكون بتخطيط سليم من الجهات المعنية ودراسات دقيقة ومراسيم تحدد فيها الأراضي المخصصة للسكن بما يلبي الاحتياجات.
اقرأ أيضاً:
«ملف تشرين».. القطاع العقاري بانتظار فك سلاسل التعقيد.. تجديد التشريعات قاعدة الانطلاق