رؤى التشاركية لإعادة الإعمار تفتح الطريق لدور جديد للمجتمع المحلي.. المطلوب تشريعات داعمة بلغة بسيطة يفهمها المواطن

تشرين- يسرى المصري:

ليس من السهل الحديث عن إعادة الإعمار في الوقت الذي لم تخمد فيه نيران الحروب، أضف إلى ذلك الحصار الجائر والعقوبات الأحادية على المجتمع السوري وقلة الموارد بسبب ظروف الأزمة والأزمات المتلاحقة التي تمر بها المنطقة.. لكن إعادة الإعمار لا تحتمل التأجيل إلى أبعد من ذلك، ولا بد من التعافي والنهوض بالبلاد لاسيما مع عودة المهجرين السوريين إلى الوطن.. الملف شائك بامتياز وكما يقال في كل عضة غصة.. والمجتمع الدولي مُطالب أولاً برفع العقوبات والحصار وإنهاء الاحتلال الأجنبي للأراضي السورية.

وعندما طرحت الحكومة مؤخراً في بيانها الوزاري رؤيتها في مجال إعادة إعمار البنى التحتية والموارد والطاقة والخدمات التزمت حسب ما تمتلكه من موارد محدودة ببناء قطاع مواردَ وطاقةٍ يعمل وفق أسسٍ ومعاييرَ فنيةٍ واقتصاديةٍ متطورةٍ تراعي اعتباراتِ الكفاءةِ والعدالةِ وجودةِ الخدمة، للوصول إلى قطاع بنىً تحتيةٍ ومواردَ وطاقةٍ متكاملٍ ومتوازنٍ وكفؤٍ ومستدامِ، عبر تعزيز منظومة إدارة موارد الطاقة بما يضمن التخصيص الأمثلَ للكميات المتوفرة على القطاعات الأكثرَ أولوية ريثما يستقر سوقُ الطاقة في بلدنا، أضف الى ذلك بناء مجتمعاتٍ عمرانيةٍ متكاملةٍ ومستدامةٍ آمنةٍ ومجابهةٍ للتغيرات الُمناخية، ومراعيةٍ لمعاييرِ التخطيط العمراني وتطويرِ قطاع الإسكان، وإعادة بناءِ وتهيئةِ البنى التحتية بما يكفُل جودةَ الخدمات المقدمة، وتعزيز الوصول العادل إليها وتعزيزُ استدامتها وحماية البيئة والوقاية من الكوارث.

لكن الحكومة ومن خلال رؤيتها الواقعية تحدثت بشفافية وصراحة عن التحديات المتوقع أن تواجَه جهودُ الحكومة في مسعاها لتحقيق هذه الأهداف، وكما هو متوقع في مقدمتها محدوديةُ الموارد والإمكانيات المادية وهجرة الكفاءات، في ظل تنامي الطلب على خدمات الطاقة والبنى التحتية وتزامنِه مع ظروف الحرب الإرهابية والحصار.. وكذلك الدمار الواسع في مرافق البنى التحتية، وأثرُ الإجراءاتِ القسرية الأحاديةِ الجانب على توفير مستلزمات البناء وإعادةِ التأهيل.

وأشار البيان إلى الكوارثُ الطبيعية والتغيرات المناخية، واستنزاف وسرقة بعض الموارد الطبيعية في المنطقتين الشمالية والشرقية وخاصةً النفط والغاز.

تعزيز النهج التشاركي
وكان من ضمن الأهداف التي وضعتها الحكومة لإدارة هذه الملفات تعزيز النهج التشاركي مع المجتمعات المحلية والقطاع الخاص وتحسين إدارة واستثمار الموارد والمرافق والمواقع المتاحِ استثمارُها بما يكفُل تعزيزَ موارد الخزينة العامة والحفاظَ على ملكية الدولة، ومتابعة تنفيذ البرامج الحكومية بقطاع السكن الاجتماعي المخصص لذوي الدخل المحدود بما يلبي الاحتياجَ، وتعزيز دور قطاع التعاون السكني ليكون شريكاً فاعلاً في تنفيذ الخطط الحكومية الإسكانية.
وأيضاً تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في استثمارات قطاع الخدمات والبنى التحتية والموارد والطاقة، وكذلك تشجيع الصناعات التي تسهم في ترشيدِ استهلاك الموارد والطاقة وتحقيقِ استدامتها.

وأفردت الحكومة بنداً لتعزيز التعاون الدولي في عملية الحصول على الحقوق العادلة والمنصفة من الموارد الطبيعية المشتركة مع دول الجوار.

بيان الحكومة للإعمار والتنمية ركز على عاملين أساسيين: الأول التشاركية بين العام والخاص، والثاني المجتمع الأهلي، وفي الواقع فإن هذه الطروحات ليست جديدة على المجتمع السوري، فهو قائم فعلياً على التشاركية والدعم الأهلي.

طروحات التنمية والإعمار
لاشك بأن الأزمة التي يمر بها المجتمع السوري والمترافقة مع تأمين الاحتباجات لعودة المهجرين وعدم توفر التمويل اللازم لتهيئة الظروف المناسبة وضعت السلطتين التشريعية والتنفيذية أمام رؤى جديدة ومفاهيم جديدة لطروحات التنمية والإعمار.
ووافق مجلس الشعب على أهمية النهج التشاركي التشاوري الذي دعت إليه الحكومة بين جميع الجهات والفعاليات.

الحكومة والمواطن يداً بيد
يؤكد عضو مجلس الشعب السابق محمد خير العكام أن أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص تكمن في دفع عجلة التنمية الاقتصادية قدماً، وحل المشكلات المزمنة. وبيّن أن الشراكة بين القطاعين ستسهم بإيجاد فرص عمل في السوق، بشكل ينعكس إيجاباً على معدلات الفقر والبطالة التي تعد من أهم المشاكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري.

تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص تسهم بإيجاد فرص عمل في السوق، بشكل ينعكس إيجاباً على معدلات الفقر والبطالة التي تعد من أهم المشاكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري.

وأوضح العكام أن وضع إطار تشريعي ومؤسسي للشراكة بين القطاعين يحفظ استدامة العملية على أن يكون الدور الحكومي رقابيا وتنظيميا للمحافظة على سير الشراكة بين القطاعين بشكلها الصحيح.
يأتي ذلك في وقت يدرس فيه دور المواطن في التشاركية من خلال التشريعات التي تضبط هذه المشاركة كقانون المنظمات غير الحكومية .فريق واحد أم فريقين؟

ويرى الخبير أكرم هواش أن نجاح التنمية المستدامة والشاملة مرهون باتباع نهج تشاركي وتشاوري مع جميع الجهات والفعاليات، من مؤسسات حكومية، ومجلس الشعب والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع المحلي؛ كما يتطلب أيضاً البناء على الجهود والدراسات المؤسسية والمتراكمة، واستراتيجية تنمية المحافظات، والاستراتيجية الوطنية للتشغيل والاستفادة منها في عملية رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية.

ويضيف هواش: إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية ويجب أن يتخلى القطاع العام عن الدور التقليدي وتفعيل القطاع الخاص بشكل أكبر وعمل خطة تنموية بين القطاعين للوقوف عند المشكلان.

القطاع الخاص حجر الزاوية الذي يدفع عجلة الاقتصاد، لاسيما أنه يتمتع بقوة مهنية وإدارية عالية ويوفر التمويل اللازم لتنمية المشروعات وهذا يخفف العبء على الحكومة

وبيّن أن القطاع الخاص حجر الزاوية الذي يدفع عجلة الاقتصاد، لاسيما أنه يتمتع بقوة مهنية وإدارية عالية ويوفر التمويل اللازم لتنمية المشروعات وهذا يخفف العبء على الحكومة.

وأوضح هواش أنه يجب وضع إطار تشريعي ومؤسسي لضمان وجود شراكة فاعلة بين الجانبين، وليصبح دور القطاع العام مراقباً ومنظماً ومشرعاً، وأشار هواش إلى أن الشراكة ستعود بنتائج إيجابية منها دعم الموازنة العامة وانخفاض متطلبات التمويل وخفض العجز.

سياسات أكثر مرونة
من جهته، لفت العكام إلى أن المقصود بالتشاركية فعلياً أن يتشارك جميع أبناء الوطن ليس في إعادة إعماره فقط بل إعادة ترتيبه، وفي المجتمع السوري هذا الموضوع موجود على أرض الواقع وكذلك مفاهيم المواطنة ليست جديدة، لذلك يجب أن تؤطر كل الجهود من أجل تطوير المجتمع السوري من كل النواحي لاسيما منها الثقافية والأخلاقية والسياسية.

كما لفت العكام إلى أن موضوع التشاركية بالمعنى الواسع يمكن أن يربط ويفهم أيضاً من خلال قانون المنظمات غير الحكومية عبر قوننتها وتنظيمها بما يضمن سيرها بالاتجاه الصحيح والإيفاء بتعهداتها لتمويل الإعمار وعودة المهجرين ما يخدم المجتمع السوري، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع السوري هو نسيج مترابط من العلاقات الاجتماعية وهذه العلاقات المتينة هي التي صمدت خلال الأزمة، وبالتالي فاليوم علينا أن نبلور دور المجتمع المدني في بناء سورية الحديثة مع التأكيد المطلق على سيادة الدولة ومنظماتها.

الوطن مفتوح للجميع ولكل من يحترم القانون ولكل من يشعر بالانتماء ويريد أن يشارك في الإعمار وفي بناء الوطن

وعن دور المواطن في هذه التشاركية أوضح هواش قائلاً: اليوم تختلف الرؤية التشريعية لأي مشروع قانوني حسب الحاجة مع الأخذ في الاعتبار مفهوم التطور الذي يشمل كل المجالات، فالوطن مفتوح للجميع ولكل من يحترم القانون ولكل من يشعر بالانتماء ويريد أن يشارك في الإعمار وفي بناء الوطن، ونحن اليوم نحتاج إلى قوانين تولد لتعيش وما يهمنا بساطة النص لأنها تذهب الى قطاع مجتمعي ليفهم المواطن دوره. فكلما كانت القوانين بسيطة كانت أقرب إلى المجتمع وإلى روح التطبيق الصحيح، ونحن بحاجة إلى ورشات عمل وندوات تسلط الضوء على هذه المفاهيم.

نحن اليوم نحتاج إلى قوانين تولد لتعيش وما يهمنا بساطة النص لأنها تذهب الى قطاع مجتمعي ليفهم المواطن دوره

 

ماذا تعني التشاركية؟
كيف نفهم التشاركية؟ يقول هواش: التشاركية أفهمها كمواطن عادي أن أحافظ على المؤسسات والبنية التحتية، والتشاركية لم تكن يوماً تشاركية تجارية فقط، بل تشاركية أخلاقية تكاملية والحكومة والسلطة التشريعية والمواطن جميعاً فريق واحد وليس جهات متعددة والحكومة من مفرزات الشعب وأبناء الشعب، ولذلك نؤكد أن التشاركية طرف واحد ودور الحكومة هو تأطير هذه التشاركية ضمن ضوابط قانونية ودستورية لاسيما أن الدستور في مقدمته وفي نصوص مواده نص على دور المواطن السوري في بناء مجتمعه وله الحق في الذهاب الى منظمات وأحزاب يختارها وأن يمارس حقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لكن ضمن ضوابط قانونية ودستورية .

تحديد الأدوار
ويرى هواش أن أهمية الشراكة بين القطاعين الخاص والعام تكمن في استقطاب المستثمرين ووجود أنظمة وسياسات أكثر مرونة مع وجود القطاع الخاص وتحريك الأموال الموجودة في البنوك على شكل ودائع من المستثمرين.
وبيّن أن القطاع العام لم يعد قادراً على الوصاية الكاملة على النشاط الاقتصادي، لاسيما أنه يعاني من أعباء إدارية ومالية كبيرة، مشيراً إلى ضرورة وضع قوانين وأنظمة لتحديد الواجبات المترتبة على القطاعين العام والخاص. واتفق هواش مع سابقيه في القول إن الشراكة بين القطاعين مهمه جداً، وهي ما يتبناه عدد كبير من بلدان العالم الذي يتشارك به القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، مشيراُ إلى أن من أهم نتائج الشراكة بين القطاعين العام والخاص زيادة معدلات النمو الاقتصادي وزيادة دخل الفرد وإيجاد فرص عمل وإمكانية تحديد المشكلات والتعامل معها بسرعة.

فضاءات جديدة
وحسب مصادر موثوقة فإن مشروعات كبيرة وواعدة سيتم إنجازها في إطار «التشاركية»، التي ستنطلق بسورية إلى فضاءات جديدة للتنمية والبناء والإعمار، وبما يحقق تأمين الموارد ومعالجة «البطالة» والحد من المديونية وترميم البعد الاجتماعي وتنمية الأرياف وإطلاق المشروعات السورية العملاقة كتوسيع المرافئ وتشييد المطارات ومحطات توليد الكهرباء والمفاعلات النووية «السلمية» وغيرها.

وسيكون المجال متاحاً أمام كبرى الشركات العالمية المشاركة في إعادة الإعمار وفي موضوع الاستثمار لكون سورية لديها مشروعات عملاقة وواعدة وخاصة في مجال النفط والغاز، أضف إلى جدية الحكومة في تفعيل قانون التشاركية مع القطاع الخاص الذي سيكون له دور كبير في فتح الباب أمام الدخول في الاستثمارات الضخمة، وتشكيل لجنة عليا لإعادة الإعمار والبحث في مشروع صندوق إعادة الإعمار الذي يهدف إلى تنشيط الاقتصاد السوري مع إيجاد قوانين لهذه المرحلة تساعد على جذب الاستثمارات.

إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي أحد الأطر المؤسساتية الملحة في عملية إعادة الإعمار، لأن زيادة دور القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي في إعادة الإعمار تعني تقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي، ويجب أن تكون هذه المعادلة واضحة، وكلما تم تفعيل البيئة التشريعية ومساهمة القطاع الخاص والأهلي في عملية التنمية قلت إمكانية الاعتماد على الاقتراض الخارجي في إعادة الإعمار.. وهنا يبرز دور الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد الأطر المؤسساتية ويكون هذا الشكل مناسباً في المشروعات ذات التكلفة الكبيرة والبعد الاجتماعي الخدمي.

مع ملاحظة أن التجارب السابقة في موضوع الشراكة بين العام والخاص تميزت بضعف في الثقة بين القطاعين.. ربما تعود إلى ثغرات في التشريع وثغرات في الإجراءات التعاقدية، فكلما كان الإجراء التعاقدي وتنفيذه واضحين كان التشريع كفؤاً ومناسباً، وتالياً لن تكون هناك مشكلة في الثقة، ولكن لا بد من مبادرة رائدة في قطاع ما أو نشاط ما يثبت نجاح هذه الشراكة بينهما، وقبل الظروف الحالية كان هناك العديد من المشروعات والمبادرات الواعدة في هذا الإطار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
الوزير صباغ يبحث مع لافروف تطورات الأوضاع في المنطقة وضرورة وقف العدوان الإسرائيلي ‏ وزير الخارجية أمام المؤتمر الدولي الثاني للأمن الأوراسي: المفهوم الجماعي للأمن يجب أن يبنى على التعددية ‏والتعاون ومراعاة تنوع المصالح الأحطاب المخصصة للتدفئة لم تستورد بعد.. مدير الحراج: تسعيرة المتوفر في المستودعات ستصدر قريباً أخيراً سوق الهال القديم سيغادر قلب دمشق ..تخصيص ألف دونم لنقله خارج العاصمة أميركا وإغراق المنطقة بأخبار «التسوية» الأكيدة المقبلة.. بنود ملغمة تريح الكيان وتحاصر لبنان الدولة والمقاومة.. لكنّ للميدان دائماً حديثاً آخر الجيش الروسي يحرر بلدات جديدة ويدمر 21 طائرة مسيّرة أوكرانية ‏ المركزي يوضح طرق تأمين المبالغ بالليرة لحجزها لصالح شركات الصرافة واستخدامها ‏بتمويل المستوردات العدوان على قطاع غزة وصعود التعددية القطبية ‏ عدم "تداول الفواتير" يشعل حرباً بين التجار.. و"التموين" همّها تطبيق الأنظمة والقوانين رؤى التشاركية لإعادة الإعمار تفتح الطريق لدور جديد للمجتمع المحلي.. المطلوب تشريعات داعمة بلغة بسيطة يفهمها المواطن