سوريون يناورون على الظرف الصعب.. انتشار تجارة “الكراكيب” وإعادة تدوير كل ما هو قديم
دمشق- بشرى سمير:
ينادون بأعلى أصواتهم للفت الأنظار إليهم واستقطاب الزبائن، ويرددون عباراتهم المعروفة “يلي عنده بطاريات وفرشات وكراسي …إلخ” للبيع، ويجوبون أزقة الشام وحاراتها سعياً لشراء كل ما هو مستعمل من أجل إعادة تدويره أو بيعه.. إنهم الباعة الجوالون على سيارات النقل الصغيرة، الذين باتوا يشكلون ظاهرة، فكل ربع ساعة تمر سيارة وينادي أحدهم أملاً في تحقيق مكاسب مادية تتفاوت نسبتها حسب ما يقومون بشرائه من الناس .
(أبو حسين)، بائع متجول على “سوزوكي”، يوضح أنه يقوم بشراء البطاريات القديمة المنتهية الصلاحية ومن ثم يبيعها ويحقق ربحاً بسيطاً، أما بقية الأغراض التي يشتريها من الناس فيعتمد فيها على كرم الزبون، فهناك من يرضى بأي ثمن مقابل ما لديه من أغراض قديمة، لأن هدفه من بيعها التخلص منها، لكونه لم يعد بحاجة إليها ولا يريدها. ويضيف: يمكن أن تكون هذه طريقة رائعة لكسب بعض النقود الإضافية، وهناك من يجادل ويفاصل في السعر، لأن هدفه من بيع ما لديه كسب المال لمساعدته على ظروف الحياة الصعبة.
تجارة “الكراكيب”
ويشير محمود دحبور”بائع جوال” إلى أنه من نظرة واحدة إلى الزبون وهيئته وأسلوبه في بيع ما لديه، يدرك فيما إذا كان الزبون سوف يناقش في السعر أم لا، أو سيراقب الميزان لوزن الأغراض، سواء كانت خشبية أو بلاستيكية أو من الحديد أو بطارية.
ولفت إلى أن الربح من هذه التجارة التي تعرف بـتجارة «الكراكيب» قليل إلى حد ما، لكن أحياناً تصادف أن يشتري قطع أثاث جيدة أو أدوات كهربائية تحتاج إلى صيانة ومن ثم يقوم ببيعها لأصحاب الورشات أو المعامل للاستفادة من قطعها وصيانتها بأسعار جيدة نوعاً ما.
ونوه إلى أن القطع الإلكترونية تباع مقابل المزيد من المال، ويمكن أن تحظى أشياء مثل الكاميرات القديمة وألعاب الفيديو القديمة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة المستعملة بشعبية لدى المشترين، وكذلك الأمر بالنسبة لقطع الأثاث، كخزانة ملابس “عتيقة”، إذ يحب بعض الناس شراء أثاث من الطراز القديم.
إبراهيم: من أسهل أنواع التجارة على الإطلاق وأكثرها ربحية بلا منافس
من جانبه أوضح أستاذ الاقتصاد المنزلي محمد إبراهيم أن تجارة “المستعمل” من أسهل أنواع التجارة على الإطلاق وأكثرها ربحية بلا منافس، وذلك بسبب الارتفاع الكبير بأسعار البضائع الجديدة والحالة الاقتصادية السيئة نتيجة ندرة الموارد النسبية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ما دفع أغلب الناس إلى بيع بعض من حاجاتهم القديمة والمستعملة مادامت حالتها العامة جيدة وتسمح باستعمالها لمزيد من الوقت من قبل آخرين.
إعادة تدوير
وأشار إلى أن هذه التجارة تعتمد على إعادة التدوير، إذ إن إعادة استخدام أو صنع كل ما نعتبره قمامة أو أشياء غير مستخدمة متروكة في الفناء الخلفي أو في صندوق السيارة، تعد مشروعاً مربِحاً، حيث يمكن إعادة تأهيل المفروشات القديمة أو الأثاث القديم وبيعه من جديد وهو ما يفعله الباعة الجوالون عند شراء أي شيء قديم قد يكون من وجهة نظر مالكه لا ينفع لشيء، لافتاً إلى أن إحصائيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الدولية “OECD” للعام الماضي تشير إلى أنّ 10% فقط من إجمالي البلاستيك يجري تدويره في العالم، في حين أنّ 23% منه يجري التخلّص منه، وهذا يفتح آفاقاً واسعة أمام مشروعات إعادة تدوير البلاستيك، وخاصة أنّ كميات البلاستيك المستخدمة تتضاعف مع السنين.
محمد خليل، أحد الذين يعملون بالبلاستيك المعاد تدويره، وهو صاحب مصنع للحصر البلاستيكية يقول: نأتي بالبلاستيك المطحون، كل لون على حدة، ونقوم بعد ذلك بغسيله وتنشيفه، ثم نقوم بعملية التكرير مجدداً، وتعاد العملية السابقة مرة أخرى ونقله إلى مرحلة أخرى من التكرير لتصفية البلاستيك، ثم ينتقل إلى المعمل الثاني الخاص بالحصر، ليتحول إلى عيدان قش بلاستيكية، ومن هناك إلى ماكينات النسيج لننتج الحصيرة.
تدوير الورق
أمين غرفة صناعة دمشق أيمن مولوي بيّن إن إعادة تدوير النفايات، وتحديداً النفايات الورقية، مهمة جداً لصناعة بعض أنواع الورق الخاص بالتغليف وصناعات الكرتون، لأنها ستكون ذات لون مائل للسمرة، مبيناً أن إعادة التدوير نافعة للبيئة وللاستفادة من بقايا الأوراق المستهلكة للاستخدام مرة أخرى.
مولوي: مهمة جداً لصناعة بعض أنواع الورق الخاص بالتغليف وصناعات الكرتون
وأوضح مولوي أن تصنيع الورق محلياً غير ممكن، لكونه يحتاج لمادة السيللوز، وهي مادة غير متوافرة في سورية، مبيناً أن ما يتم إنتاجه اليوم من مادة الورق يكون بإعادة تدوير الكرتون والورق التالف وإعادة تصنيعه مرة أخرى، وهناك مصنع في حلب لإعادة تدوير الورقيات وتصنيعها من جديد.