الترند الإخباري وإثبات الوجود الرقمي ..استثمار المواقع الإلكترونية بما يجعلها تُصدر روايتها وتزاحم روايات المنافسين.
تشرين رصد:
بعيدا عن الشاشات الإخبارية، تصدر الخبر محركات البحث العالمية وعلى رأسها غوغل، حيث بدأت ملايين عمليات البحث في جميع أنحاء العالم .
ولأن محركات البحث دقيقة في تقييم الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها المستخدمون، فقد تصدرت كلمتان كل الكلمات المرتبطة بالترند الإخباري لهذا الحدث، وكانت أشهر ما بحث عنه الجمهور عالميا باللغة العربية كلمتا “السنوار” و”يحيى السنوار”.
يُقدّر عدد عمليات البحث التي تتم عبر محرك البحث غوغل يوميا بنحو 8.5 مليارات عملية بحث عن معلومات في مختلف المجالات.
وتشير التقديرات أيضا إلى أن غوغل تتعامل مع أكثر من 99 ألف عملية بحث في الثانية.
نسبة البحث باللغة العربية من هذه الأرقام تحتل مكانة جيدة، خاصة أن مجال عملنا هو “البحث باللغة العربية”، يظهر ذلك بوضوح عند البحث عن كلمة “السنوار” في غوغل خلال الـ24 ساعة المرتبطة بالحدث، فيظهر غوغل نحو 303 ألف نتيجة، ارتفع بعدها العدد لاحقا إلى نحو 79 مليون نتيجة.
تعكس هذه الأرقام أهمية كبيرة للمواقع الإلكترونية التي تستطيع السيطرة على الكلمات المفتاحية المهمة، سواء في البحث اليومي لمئات الآلاف من الكلمات المفتاحية التي يبحث عنها الجمهور، أو من خلال تصدرها في حدث تحول إلى ترند خلال ساعات، وبالنتيجة ستحصد عشرات الآلاف من الزيارات.
تحوّل هذه الزيارات الكبيرة مواقع القنوات الفضائية إلى معركة “السردية” والصراع الرقمي في السيطرة عليها، وبالنتيجة تؤثر على عشرات الآلاف من الجمهور الباحث عن هذه الكلمات المفتاحية.
الصراع الرقمي على السردية
نستطيع أن نعرّف السردية في ظل التزاحم الرقمي بأنها الطريقة التي تشكّل وتوجّه الرأي العام وتعيد صياغة الأحداث وفق رؤية معينة تؤثر على كيفية فهم الجمهور للواقع.
فهي بالتالي ليست مجرد نقل للأخبار أو المعلومات، بل هي عملية تكوين صورة ذهنية للجمهور من خلال ما يتم يركز عليه الجمهور في البحث.
والسردية نفسها تتجاهل أو تخفي أحيانا ما يتعارض معها إذا لم تستطع تبريره، أو حتى تتجاوز حقائق لا يرضى بها مقصها.
وهذه السيطرة على تفسير الأحداث تؤثر بالنتيجة على العقل الجمعي للجمهور، وتشكل منه رأيا عاما يمكن توجيهه نحو الرؤية الخاصة بالسردية.
كيف تستحوذ المواقع على السردية؟
تعتمد المواقع الإلكترونية للسيطرة على السردية بشكل رئيسي على التحكم في الكلمات المفتاحية المهمة في غوغل، سواء تحولت هذه الكلمات في لحظة معينة إلى ترند، أو تلك التي تم العمل عليها مسبقا لتقوية الموقع وتهيئته لأي عملية بحث متوقعة.
هذا التوقع لا يأتي من فراغ أو ظنون، إنما ينطلق من خلال إستراتيجيات وأدوات متقدمة لاستهداف الكلمات المفتاحية الأكثر بحثا من قبل الجمهور عبر تحسين المواقع لمحركات البحث، وهو ما يطلق عليه “تحسين محرك البحث” (Search Engine Optimization).
وهنا يأتي احتكار السردية من خلال تقديم المحتوى بجودة عالية، لا يشمل الأخبار فقط وإنما تتبط بمواد أخرى، إذ إن الأخبار غالبا لا تصنع السردية ولا تؤثر عليها، بل تموت بعد ساعتين إلى 24 ساعة كحد أقصى ويختفي أثرها، ولا يعود لها الجمهور إلا نادرا.
لكن ما يحكم احتكار السردية هو التحليلات والمقالات والتفسيرات والرؤى التي تتضمن كلمات مفتاحية تتناسب مع حجم عمليات بحث الجمهور عنها، وتخضع لشق تقني مهم جدا لا يمكن تجاوزه، تستطيع من خلاله المواقع الاتساق مع معايير محركات البحث، وأشهرها غوغل، وبالنتيجة الظهور في الصفحة الأولى منه، والمنافسة في السيطرة على السردية التي تشكل كيفية فهم الجمهور للحدث.
إثبات الوجود الرقمي
وهنا تأتي أهمية إثبات الوجود الرقمي في محركات البحث، وأهمها غوغل، واستثمار المواقع الإلكترونية المختلفة، بما فيها مواقع القنوات الفضائية، بالشكل الذي يجعلها تُصدر روايتها وتزاحم من خلالها روايات المنافسين.
وهذا الإثبات الرقمي هو بالضرورة نتاج خطط إستراتيجية واضحة في تهيئة المواقع لمعايير غوغل وفق آليات تحسين محرك البحث “إس إي أو” (SEO)، وهو ما سنتحدث عنه بالتفاصيل في مقال لاحق.
سلطة الدومين واستثمار الترند الإخباري
تظهر قوة المواقع التابعة للقنوات الفضائية في تصدر محركات البحث واستثمار الترند الإخباري خلال الساعات الحرجة في تغطية الأحداث العاجلة، مما يعكس قدرة هذه المواقع الإخبارية على التصدر في نتائج محركات البحث بشكل لافت.
الإحصائيات التي يتم رصدها بعد 10 ساعات فقط من الإعلان، والتي سيتم استعراضها بعد قليل، تكشف عن سيطرة قوية لبعض هذه المواقع على النتائج، وهذه الفترة الزمنية القصيرة تُعد الأكثر تحديا للتصدر في غوغل، إذ لا يمكن للمواقع تحقيق هذا الإنجاز إلا إذا كانت مستعدة فعليا لذلك.
لتنافس على الظهور في أولى نتائج البحث خلال الساعات الأولى من الحدث يتطلب جاهزية تقنية عالية وقوة هيكلية في الموقع الإلكتروني، وهنا تأتي قوة سلطة الدومين (Domain Authority) بوصفه عاملا حاسما في هذا السياق، حيث تمكّن المواقع ذات الدومين الأثيروتي العالي من تحقيق ما يلي:
تصدر سريع: النجاح في تصدر نتائج البحث خلال 10 ساعات فقط بعد إعلان الحدث.
تحطيم المنافسين: استغلال قوة الدومين الأثيروتي لحصد مئات الآلاف من الزيارات العضوية بسرعة، على حساب باقي المواقع.
استثمار الترند الإخباري: الجاهزية لاستغلال الأحداث العاجلة من خلال إستراتيجيات “إس إي أو” معدة مسبقا.
هذا التفوق لا يأتي من مجرد نقل الأخبار بسرعة، بل هو نتيجة استثمار طويل الأمد في بناء قوة الدومين عبر تحسين محركات البحث، والروابط الخلفية، وتقديم محتوى جذاب ومتجدد.
المواقع العشرة التي سنستعرضها كانت جاهزة للاستجابة بسرعة فائقة، مما جعلها تحصد مئات الآلاف من الزيارات العضوية في مدة وجيزة، مع إبقاء المنافسين بعيدين عن الواجهة.
وسلطة الدومين هي مقياس يُستخدم لتقييم قوة وترتيب موقع معين في محركات البحث، طورته شركة “إم أو زد” (Moz)، ويُحسب على مقياس من 0 إلى 100، يأخذ هذا المقياس في الاعتبار عدة عوامل، أهمها: عدد وجودة الروابط الخلفية التي تشير إلى الموقع، وجودة المحتوى، وتجربة المستخدم، وتحسين الموقع لمحركات البحث.
وكلما كانت سلطة الدومين أعلى، زاد احتمال تصدر الموقع في نتائج البحث، خاصة عند تغطية أحداث عاجلة أو ترندات إخبارية.