“بيان خبراء” قبيل البيان الحكومي المرتقب.. رؤى بتوخّي الواقعيّة نحو “فنّ الممكن” وسلسلة أولويات تتصدّر العناوين
تشرين – هناء غانم :
“أول طريق لِنسهّلَ عمل الحكومة في هذه الظروف الصعبة، هو أن تكون هذه الحكومة هي حكومة الواقع، لا حكومة الأحلام لا أحد يريد سراباً لا المواطن ولا أنتم ولا أي شخص”، بهذه الكلمات وجه السيد الرئيس بشار الأسد الحكومة الجديدة، ليكون بيانها شفافاً وواقعياً ومبنياً بسياساته وبخططه على الحقائق، أي بالمختصر هو بيان الممكن لا بيان المأمول.
وحذر الرئيس الأسد من الخلط بين الممكن والمأمول بالعمل الرسمي، قائلاً: لدينا الكثير من الآمال، كل واحد فينا لديه الكثير من الآمال والأحلام، نستطيع أن نضع هذه الآمال في أي مكان ما عدا في السياسات وفي الخطط، هنا لا توجد آمال، توجد حقائق ويوجد وقائع.
وحول أهم النقاط التي يجب أن يتناولها البيان الحكومي ليكون ميثاق عمل للمرحلة القادمة “تشرين” رصدت آراء الاقتصاديين والباحثين والمعنيين بالشأن الاقتصادي.
الكل بانتظار ما ستقدمه الحكومة في بيانها.. هل سيكون واقعياً وبعيداً عن الأحلام؟
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عابد فضلية أكد لـ”تشرين” أن البيان الحكومي يجب أن يكون واقعياً وليس تنظيرياً كما أكد الرئيس الأسد، والأهم أن يقدم رؤية شاملة وواسعة وإستراتيجية وليس إجرائية، أي يكون في إطار تطور الاقتصاد والمجتمع السوري، والأهم أن يأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع الدولي والإقليمي لأن (الأقليم يغلي)، ودول العالم تمر بفترة تضخم وبفترة اقتصادية سيئة، لذلك يجب ألا يقتصر البيان على الواقع المحلي بل أن يتطرق إلى ما يجري في الإقليم لأننا في حالة حرب، بل في حرب عالمية ثالثة بأدوات مختلفة عن الحرب، وذلك نتيجة الضعف الاقتصادي العالمي الذي بدأ في العام 2007، مؤكداً وجوب أن يكون البيان إستراتيجياً ينطلق من الكل لوضع برامج في هذا الإطار الإستراتيجي الواقعي المحلي والإقليمي والدولي، ومن ثم يتم وضع أهداف واضحة، كأن يتناول البيان بند تخفيض الضرائب على الدخل المحدود بحيث تكون الشريحة المعفية فيها زيادة، وأن تكون المقترحات قابلة للتنفيذ وواضحة كما يجب أن يستشرف البيان المستقبل، وليس الاكتفاء بأن يكون مخصصاً لعام أو أن يقتصر على أربع سنوات القادمة، وإنما يوضح سورية إلى أين، ليس في عهد هذه الحكومة التي يصدر عنها البيان وإنما يكون على مستوى رؤية الدولة السورية في الحكومات المتعاقبة.
د. فضلية: البيان الحكومي يجب أن يكون واقعياً وليس تنظيرياً
تخفيض الضرائب
وأضاف د. فضلية: بخصوص الضرائب والنشاط الاقتصادي الذي بات بطيئاً وهذا أمر طبيعي نتيجة الظروف التي نمر بها، يجب ألا تستمر الحكومة بالتحصيل والجباية، خاصة أن أنشط هيئة في سورية هي الضرائب والرسوم، علماً أنه في هذه الفترة يجب تخفيض الضرائب وليس زيادتها كما يحدث كل فترة، من أجل تشجيع وتحريك عجلة الإنتاج وتحريك السوق وتحريك الطلب، وعندما يتحرك الطلب يتحرك العرض، وعندما يتحرك العرض يتحرك الإنتاج، وعندما يتحرك الإنتاج تزداد فرص العمل، وبالتالي يزداد الدخل وبذلك يزيد الطلب وهكذا ضمن هذه الدائرة، لافتاً إلى أهمية إعادة النظر بالضرائب، بحيث لا تكون مثبطة للعمل الاقتصادي كما هي حالياً، خاصة وأن هناك الكثير من النشاطات والأعمال التي بدأت بالإغلاق نتيجة الضغط والضرائب والرسوم التي ارتفعت استيراداً وتصديراً.
كما أوضح فضلية أن هناك رسوماً يجب أن تجمد لتحريك النشاط الاقتصادي، الجمارك ارتفعت استيراداً وتصديراً لأن النشاط الاقتصادي عندما يتعثر من الصعب أن يعود إلا بعد زمن طويل، لذلك إذا أردنا مزيداً من الإيرادات الضريبية علينا أن نخفض الضرائب، حتى تزداد الإيرادات الضريبية لأن زيادة الميزانية العامة للدولة، يحب أن تكون الإجراءات مختلفة مثلاً، رسوم ترخيص أي نشاط على سبيل المثال يجب ألا تكون نفسها قبل خمس سنوات لأنه لكل ظرف قوانينه وتشريعاته التي هي حتماً مختلفة عن غيرها في الظروف العادية ولأنه لدينا وضع استثنائي، لكن ليس لدينا تشريعات استثنائية، لذلك لا بد من إعادة النظر بالتشريعات لكي تكون منسجمة مع المرحلة الراهنة على كافة الأصعدة محلياً وإقليمياً، والأهم إعادة النظر بالضرائب لتكون محفزة وليست مثبطة من أجل تحريك عجلة الإنتاج وحركة النشاط الاقتصادي.
فضلية: لدينا وضع استثنائي، لكن ليس لدينا تشريعات استثنائية
نقطتان أساسيتان
أستاذ الإحصاء في كلية الاقتصاد يجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، أكد لـ”تشرين” أن أهم نقطتين يجب أن يركز عليهما البيان الحكومي هما عملية الإصلاح الاقتصادي، وإعادة دوران عجلة الاقتصاد، والتركيز على الإصلاح الإداري الذي بدأ يظهر بطريقة غير صحيحة منذ حوالي 8 سنوات، ولم يأت بجديد.
وأفاد عربش أن البيان يجب أن يكون واقعياً بعيداً عن المجاملات، والأهم ألا تكون الأحداث هي الشماعة التي يعلق عليها البيان التقصير الذي قد يحدث، لأن الشرخ الموجود بين الحكومات والمواطن يجب أن يردم، وما نأمله بأن يكون خطاب السيد الرئيس حول واقعية البيان وشفافيته هو المعيار الأول والأخير لوضع النقاط على الحروف، لأننا في مرحلة تتطلب منا الجدية في المحاسبة والمساءلة.
عربش: الإصلاح الإداري لم يأت بجديد منذ 8 سنوات
تغيير المنهجية
الدكتور والاقتصادي فادي عياش أوضح لـ “تشرين” أن السيد الرئيس أكد في كلمته على عدة أفكار وركائز تتمثل بداية باستبعاد الشخصنة والاعتماد على المؤسساتية، والشخصنة واحدة من أهم عقبات الإدارة العامة ومن أهم عوامل المقاومة الذاتية للتغيير والتطوير.
د. عربش: يجب ألا تكون الأحداث هي الشماعة التي يعلق عليها البيان التقصير
والأهم الاعتماد على التخطيط لمواجهة المتغيرات وتحقيق تطلعات وآمال المجتمع، وتالياً ضمان التشارك والتنسيق التام بين المؤسسات والمنظمات والمجتمع، إضافة إلى ضرورة تحديد الأهداف الموضوعية والواقعية القابلة للتحقيق والقياس، وعدم رفع توقعات المجتمع وعدم الوعد بما لا يمكن تحقيقه ، فهذا شرط رئيس لاستعادة وتعزيز الثقة بين الحكومة والمجتمع.
مشيراً إلى أنه لابد من تحديد بيان وزاري واقعي وشفاف مبني على الوقائع والحقائق، معتبراً أن البيان يعبر عن الرؤية والمنهجية التي ستتعامل معها الحكومة في إدارة الموارد المتاحة لتحقيق تطلعات المجتمع في الظروف والمتغيرات الصعبة التي نعانيها، إذاً البيان الوزاري هو خطة عمل متكاملة تهدف للتعافي والانطلاق نحو التنمية بواقعية ومصداقية، وليس وعوداً وآمالاً جامحة.
وأشار عياش إلى أن المنظومة الإدارية والاقتصادية الحالية لا يمكن أن تستمر، وهذا يعني بأولوية وحتمية تغيير المنهجية السابقة، وإلغاء سياسة الترقيع والاعتماد على التغيير الواقعي والمدروس، مع الإشارة إلى أهمية التنسيق والتكامل في عملية اتخاذ القرار الحكومي والتنفيذ، من خلال السياسات القطاعية، ومعالجة التشابك غير المنطقي في البنى الإدارية ولا سيما ازدواجية المهام.
عياش: إلغاء سياسة الترقيع والاعتماد على التغيير الواقعي والمدروس
وأضاف عياش: إن هناك تشوهاً في المفاهيم، ولا سيما في تصنيف المؤسسات الحكومية بين الاقتصادية والإدارية والخدمية، كما أن هناك محدودية للموارد والإمكانات والمشكلة في سوء إدارة هذه الموارد، وسوء توزيعها على قطاعات المجتمع والمواطنين.
والناحية الأخرى هي عدم الربط بين الانفتاح السياسي والوضع الاقتصادي، ولذلك يجب الاعتماد على الذات أولاً والتركيز على اعتبار المعلوماتية والأتمتة كقطاع استثماري يعتمد على الاستثمار في العقول الموهوبة.
وبخصوص اللامركزية وخطأ مفهوم نقل الصلاحيات وكيفية تطبيقه أوضح عياش أن اللامركزية تقوم على تطوير المؤسسات أولاً ومن ثم نقل الصلاحيات، مع إعادة النظر بالإصلاح الإداري كسياسة دولة وليس كسياسة وزارة، وأهمية مراجعة هذا المشروع على مستوى الحكومة.
د. ميا: زيادة الرواتب والأجور لتصبح متساوية مع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم
تحسين الواقع المعيشي
بدوره أكد الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة تشرين علي ميا، على ضرورة أن يتناول البيان الحكومي بداية إمكانية تحسين الواقع المعيشي للمواطنين من خلال زيادة الرواتب والأجور لتصبح متساوية مع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم، لافتاً إلى أن ذلك يجب أن يترافق مع تخفيض أسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة لدعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي.
د. ميا: وضع قانون عصري للعاملين وشغل الوظائف العامة
والناحية الأخرى التي يجب أن يتناولها البيان الوزاري هي تحسين الخدمات العامة للمواطنين من كهرباء وماء وطرق ومواصلات واتصالات، لافتاً إلى أن البيان الحكومي يجب أن يتناول أيضا ضرورة دعم قطاعي التعليم والصحة العامة، والأهم توفير فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل، معرباً عن ضرورة تخفيض الضرائب على ذوي الدخل المحدود ومحاربة الفساد والهدر بكافة أشكالهما، ومحاربة الاحتكار وتثبيت الأسعار، مع وضع سياسة اختيار موضوعية لشغل المراكز الإدارية والاقتصادية الهامة، ووضع قانون عصري للعاملين وشغل الوظائف العامة و يجب أن يتخطى ذلك موضوع العناوين والشعارات، لافتاً إلى أن بيان الحكومة لابد أن يكون ضمن رؤية تفند عناوينها، توضع له برامج عمل، ويجب أن يتم محاسبة المقصرين في التنفيذ .