قانون العاملين الأساسي بيئة للتجاوز والمخالفات .. بانتظار استصدار قوانين وأنظمة تتيح حرية الإبداع والابتكار والمبادرة على مستوى الأفراد والمؤسسات

تشرين – يسرى المصري:
الإصلاح الإداري والوظيفي عملية مستمرة ولا تتوقف، وليس هذا تعبيراً لغوياً أو ترميماً، والمفهوم العلمي أنه إرادة وجهد اقتصادي واجتماعي وثقافي هادف لتغيير الأساليب والعلاقات والأدوات والعناصر، ويتمثل في أربعة محاور هي الكوادر البشرية والتشريعات والقوانين والهياكل الإدارية، وللأسف في معظم الدول يتجه القائمون على الإصلاح للاتجاه الأسهل وهو الهياكل الإدارية فيحولونها إلى تحديد إداري وليس إلى إصلاح بمفهومه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي .
الإصلاح الحقيقي والفعال
الاستشاري الإداري هشام خياط يلفت إلى أنه لابد من التوافق على معالم الإصلاح، مشيرا إلى أن ظروف الأزمات يجب أن تستغل لبداية الإصلاح الحقيقي والفعال, إضافة إلى أهمية وضع خريطة للقوى البشرية تحدد الموجودين والقادمين إلى سوق العمل وتدريبهم إدارياً وفنياً .
ويرى خياط ضرورة تمكين تطبيق الإصلاح الإداري وتعديل التشريعات الخاصة بالعمل والوظيفة العامة لتحقيق العدالة الاجتماعية ولإعطائها الأولوية ومن ثم مسألة تفعيل القوانين الداعمة له، فمن دون الإصلاح التشريعي لا يمكن تحقيق الإصلاح الإداري، وأي تشريع يقف بوجه إصلاح الوظيفة العامة قد يعتبر متوحشاً وضد مستقبل سورية .
ثغرات كثيرة في قانون العاملين
وحول قانون العاملين الأساسي أوضح الدكتور محمد خير العكام الخبير القانوني أن هناك ثغرات كثيرة في قانون العاملين الأساسي، كما أن لجنة تفسير القانون أصدرت فتاوى عشرات أضعاف حجم القانون، والقانون الجديد يجب أن ينطلق من النقطة صفر ويلغي كل القرارات السابقة، ونريد أن نعرف بداية ما المطلوب من القانون الجديد، لذلك يستحسن إشراك الجميع في ذلك، الوزارات والمؤسسات واللجان المعنيةـ والحقيقة أن هناك مشاكلات كثيرة نجمت عن القانون 50 ويجب أن يتم تلافيها لأن لها منعكساً على الأداء الوظيفي والإداري.
ويرى العكام أن المطلوب التفاعل مع الجميع، لأننا نتحدث عن أثر القانون السلبي على إدارات الدولة، ولا يمكن للحكومة أن تتفاعل مع الإصلاح الإداري من دون قانون متميز للعاملين عبر مشروع هيئة الوظيفة العامة، كما لا يمكن أن ننتقل إلى مشروع تنموي من دون مشروع المراتب الوظيفية.. وكانت هناك محاولات لإطلاق مشروع المراتب الوظيفية بشكل مستقل، والبعض اقترح أن يكون قانون المراتب ضمن قانون العاملين الأساسي، وللأسف التعريف للهيكل التنظيمي للمؤسسات خاطئ.
ويضيف العكام: أكثر ما أخشاه أن يذوب الثلج ولا تكون لدينا إدارة عملية، والفساد ليس موجوداً في الإدارات، بل موجود في التشريعات أيضاً.
وخلال الدورات التشريعية السابقة أجرينا أقلمة للمشروع المقدم حول المراتب الوظيفية، لأنه الكود الأساسي لمشروع العاملين .. نحن نقدم ملاحظات عامة خلال الإعداد لهذا القانون ونضع الثوابت السليمة لنصل إلى نتائج صحيحة، والحقيقة أن قانون العاملين في الدولة هو قانون إداري ولا يستطيع أن يلم بكل النصوص اللازمة، ويجب أن يتضمن الأسس فقط، أما التفاصيل فيمكن أن تبقى من اختصاص اللوائح التي تصدرها السلطات التنفيذية، والحقيقة أن الجهات الرقابية على القانون هي غير مقررة بل هي تراقب العمل والأداء فقط.
العكام لفت أيضاً إلى أن قانون العاملين أربك الجهات العامة وخاصة في التعيين، لأنه حصر تشغيل العاملين بطريقين هما فقط المسابقة والاختبار، ويجب أن نضع قانوناً جديداً يساعد في حل كل هذه الأمور وأن يتم إيجاد آليات واضحة أكثر لما فيه مصلحة العمل الوظيفي، مضيفاً: نريد قانوناً عصرياً وحضارياً يناسب هذه المرحلة. والحقيقة أن موضوع المراتب الوظيفية هو مطلب للعاملين ولكن نلاحظ أن كل القوانين تركز على الفئة الأولى، ونحن نريد أن يكون هناك اهتمام بكل الفئات الوظيفية على حد سواء وكذلك الاهتمام بالتعليم المهني لأن التعليم العام يطغى على التعليم المهني ومسيرة التنمية بحاجة إلى كوادر مهنية متنوعة.
من الجدير ذكره أنه بعد القانون رقم (1) لعام 1985 والسلبيات التي ظهرت خلال تطبيقه تم تعديله، واستبدل بالقانون رقم (50) لعام 2004 , ولكن يبدو أن القانون البديل لم يكن قادراً على الإلمام بكل متطلبات العمل الوظيفي، وهناك غموض واضح في كثير من مواد القانون, وكذلك هناك مواد لم تكن قادرة على تلبية وتفسير الأعمال الإدارية اليومية في الوظيفة ما أدى إلى كثرة الاستفسارات من الجهات التنفيذية حتى وصلت هذه الاستفسارات, كما يؤكد الكثير من خبراء قانون العاملين الأساسي, إلى حد أن التساؤلات والاستفسارات أصبحت ضعف حجم القانون الأساسي, وبقيت الأمور تراوح مكانها, وبالرغم من تشكيل العديد من اللجان المكلفة بإجراء الدراسات لتعديل القانون رقم (50) لعام 2004 لكنها بقيت حبراً على ورق ولم نجد أي أثر لهذه اللجان .
تشكيل لجنة وزارية مختصة

ومنذ أيام تقرر خلال الجلسة الأولى لرئاسة مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية مختصة بهدف مراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة وغير ذلك.
واستعرض المجلس مقترحات اللجنة الخاصة بمراجعة منظومة الحوافز والتي استندت بشكل رئيسي إلى ضمان أن تكون الحوافز محولة من أرباح الجهات العامة، ووفق ضوابط ومعايير تضمن الشفافية والتحفيز في آن معاً، مع وضع سقوف مدروسة للحوافز المقترحة، وبما يضمن الحفاظ على الكوادر الوطنية المؤهلة والتي تسهم بشكل فاعل في زيادة الإنتاجية. وتم الطلب من الوزراء إبداء الملاحظات على مقترحات اللجنة لإعادة عرضها على مجلس الوزراء واتخاذ القرار المناسب بشأنها، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين مقاربة منظومة الحوافز من جهة وتوجهات زيادة الرواتب والأجور من جهة أخرى.
توسيع مظلة المشاركين
ومن المؤشرات الإيجابية بالإصلاح الإداري والوظيفة العامة تشكيل لجنة مهمتها مراجعة القرارات والصكوك الناظمة لشغل مراكز عمل القيادات الإدارية وآليات تلبية احتياجات الجهات العامة من العاملين، وتكون مهمتها دراسة المقترحات الواردة من الجهات العامة فيما يتعلق بمراجعة القرارات والصكوك الناظمة لـ:
-شغل مراكز عمل /معاون وزير- مدير عام – أمين عام محافظة/ والمسارات الزمنية لكل منها.
-تمديد خدمة العاملين في الدولة .
-العلاقة الوظيفية للعاملين الذين تربطهم درجة قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الثانية في الجهة العامة ذاتها أو الوحدة التنظيمية.
-آليات تلبية احتياجات الجهات العامة من العاملين /إضافة إلى المسابقة المركزية/ وفق الاحتياج الحقيقي ومقتضيات الضرورة.
-دراسة أي موضوعات ترى اللجنة أهمية إعادة النظر فيها ومراجعتها، وبما يسهم في الاستثمار الأمثل للموارد البشرية وتحقيق كفاءة وفاعلية الأداء.
وسمح الفرار للجنة بالاستعانة بمن تراه مناسباً لإنجاز مهامها، على أن ترفع نتائج أعمالها إلى رئيس مجلس الوزراء خلال شهر من تاريخ صدور القرار.
وقد لاقى القرار استحساناً لكونه لاحظ توسيع مظلة المشاركين عبر تقديم المقترحات لتعديله من خلال تشكيل لجنة فنية يترأسها وزير التربية “رئيس لجنة التنمية البشرية” وعضوية وزراء التنمية الإدارية والصناعة والعدل والمالية والشؤون الاجتماعية والعمل والأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية ومستشارين.
مفهوم جديد

الحقيقة أن مسألة الإسراع في إنجاز هذا القانون من شأنها أن تؤسس لمفهوم جديد في الوظيفة العامة, وهذا يتناسب مع المرحلة القادمة من حياة البلاد الإدارية والاقتصادية التي يشكل العاملون في الدولة محورها الأساس.. ويعتقد البعض من خبراء القانون أنه يجب أن يكون لكل قطاع قانونه الخاص، لأن البعض يرى أن أحد أهم أسباب تردي الوظيفة العامة وأحد أهم أسباب القصور هو إلغاء التراتبية الوظيفية بعد صدور القانون رقم (1) لعام 1985، لذلك نجد مطالب واضحة بإعادة المراتب الوظيفية, ويجب أن تكون المواد التي سيتضمنها القانون نصوصاً واضحة لا تحمل أي لبس, كما يجب أن تكون هناك تراتبية خاصة للشهادات المهنية، «التراتبية الوظيفية مهمة جداً ويجب إيجاد حافز لدى كل العاملين لاكتساب مهارات.. وضرورة تكافؤ الفرص والحفاظ على الحقوق والمكتسبات وأن يكون القانون متناسقاً مع المنظومة التشريعية الموجودة في البلاد, ويجب تلافي أوجه القصور التي عشناها مع القانون /50/ .. وتفعيل دور مبدأ التشاركية قولاً وفعلاً .. وأن يحقق القانون نقلة نوعية في الإصلاح الإداري والتنمية الإدارية ومكافحة الفساد وينهي العقبات الخاصة بمعالجة التعويضات المالية والحوافز وأذونات السفر وبدلات السفر وغيرها من الأمور المالية المتعلقة بالعاملين ووضع تشريع عصري للعاملين يحقق كل ما نتطلع إليه جميعاً من تشريع ينظم العلاقة بين العاملين في الدولة والجهات التي يعملون فيها، آخذين في الحسبان اختلاف القطاعات التي يشملها القانون، إذ إن لكل قطاع طبيعة مختلفة لنوع العمالة، وكل هذه القضايا سيتضمنها القانون الجديد ليشكل نقلة إيجابية في مجال الإصلاح الإداري في سورية… والحقيقة أن غياب التصنيف الوظيفي الصحيح في المؤسسات العامة يمنعنا من القيام بأي عملية تقييم صحيحة لأي عامل، ومعها لا يجوز أن نطلق أحكاماً بأن هذا العامل مقصر أو ذاك مهمل.
مقترحات لجودة العمل الإداري
لا يمكن الانتقال إلى مشروع تنموي صحيح للإدارة العامة من دون إطلاق مشروع المراتب الوظيفية، ويجب الانتقال إلى مرحلة «جودة العمل الإداري»، لأن الفساد تجاوز مرحلة الفساد الإداري والمالي ليصل إلى مرحلة فساد التشريعات نفسها، وهذا النوع من الفساد لا تمكن محاربته إلا من خلال التنظيم الإداري, كما يجب أن يلحظ الإصلاح التشريعي حسب الخبراء :
إن الهدف الأساسى للإصلاح التشريعي يكمن فى التأكيد على عدة مسائل، في مقدمتها توافق التشريعات مع التوجهات الجديدة للدولة فى إطار انفتاحها على اقتصاد المعرفة و التحول الرقمي ، ومن خلال برامجها الحالية والمستقبلية فى الشراكة وتبسيط وتسهيل إجراءات الاستثمار وغير ذلك.. وأيضاً تحرير الإدارات الحكومية بمختلف مستوياتها من القيود التي تحد من القدرة على ممارسة الأنشطة الإنتاجية والخدمية والاستثمارية بما يتماشى وطموحات الدولة فى هذه المجالات.. وإقرار مبدأ اللامركزية الإدارية فى ممارسة كل نشاطات الأجهزة الحكومية واقتصار دور الدولة على إعداد استراتيجيات التطور وتحديد التوجهات العامة للتنمية.. والتخلص من بعض أوجه التضارب والتناقض بالنسبة لبضع القوانين.. ومعالجة مسألة التشريعات الإدارية المتعددة كحزمة واحدة بحيث يصدر قانون واحد أو أكثر يحدد أساسيات ممارسة النشاط الإداري.. وأيضاً جعل الهدف الرئيسي من القوانين تبسيط وتسهيل الإجراءات فى علاقات المتعاملين مع أجهزة الإدارة الحكومية.. وتبنى أسلوب التشريع الصفري بإصدار قرارات جديدة من رئيس مجلس الوزراء تلغى كل القرارات الأخرى السابقة التى كانت تحكم أداء خدمة ما.. والعمل على استصدار قوانين وأنظمة تتيح حرية الإبداع والابتكار والمبادأة على مستوى الأفراد والمؤسسات بدلاً من التقيد بحرفيات قوانين وأجهزة الرقابة التى تعوق حركة التطور وتقتل روح المبادرة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار