الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي.. حبيس (البين بين) أواخر الثنائيين القدامى

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:

حبيس (البين بين) وآخر الثنائيين القدامى، كان نصف عمره في القرن التاسع عشر ونصف عمره في القرن العشرين، وعلى يمينه الحداثة وعلى شماله القدامة، بين يديه (أصل الأنواع)، وفي ذاكرته (تفسير البيضاوي)، صورته على طاغور، وقلبه على جميل بثينة، حصل على نيشان السلطان العثماني وراتبه، وإرادته، حاصل على العلم بخروجه من المدرسة إلى البيت.. إنه الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي (١٨٦٣ – ١٩٣٦).

أراد أن يكون (دارون) و(طاغور)، وأبا العلاء المعري وجميل بثينة في آن، لكن لم يكن حتى ولا هو، لأنه في (البين بين) بقي، ما كان دارون لأن دارون كان عصره ابن المختبر، وزحيل (الأركيولوجيا)، أما هو فظل في كرسيه ساكناً على هيئة متأمل محاولاً تقليد الحركة من غير أن يتحرك، وما كان أبا العلاء المعري لأن المعري كان يسأل أبداً لا يريد جواباً أبداً، أما هو فأعاد الفلسفة القديمة نظماً وهكذا ظل:
بين فيزياء العالم الجديد وميتافيزيقيا العالم القديم، لا أمياً ولا مستقبلياً، لا منتمياً للطبيعة ولا منتمياً للثقافة، وما كان (طاغور) لأن الهدف كان ينقصه، وما كان جميل بثينة لأن التجربة كانت تنقصه.

بقي الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي في (البين بين)، منحته المدن السياسية إرادتها، فقد أرسلت له (الأستانة) عشيقة و(إسطنبول) قيداً وبغداد إرادة ملكية ودمشق بطاقة دعوى، والقاهرة وعيداً واليمن السعيد حزناً وبريطانيا اختراعاً، أما هو فما كان عنده من شيء يمنحه، لما ظن أن كل شيء كان عنده، لقد خرج على البنية الثابتة الجميلة خروج وهم لأنه لم يدخل قط حتى يخرج، له من القصائد (ألف قصيدة) ومن الأفكار في العلم والسياسة والفلسفة والتربية حشو هذا الألف لكن لم يبقَ شيء منه سوى آثار أقدام المحاولة التي سوف تدل أحفاده يوماً ما على البنيات الشعرية والفكرية الحقة، وحسبه هذا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار