السيّد الشهيد الذي غيّر وجه المنطقة في حياته وفي استشهاده.. أي تداعيات إقليمية مع تهديدات إسرائيلية متواصلة تضع لبنان في عين الغزو البري؟
تشرين- هبا علي أحمد:
كُنا ننتظر أن يطلّ علينا السيّد الشهيد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وفي أي ساعة يختارها مرئياً ومسموعاً، يبتسم، يضحك، يُطمئننا برخامة صوته الذي يبث الدفء والأمان واليقين بأن ليست «إسرائيل» التي تقتله كما كان يقول دائماً، ليس خوفاً من الموت الذي ينتظره أساساً، بل يقين منه بإمامة الصلاة في الأقصى.. وكُنا ننتظر الكثير والكثير، نتحدى القدر تارة، نصم آذاننا عن كلامه، ويهزمنا تارة أخرى.. خاننا القدر هذه المرّة، لكن السيّد كما عهدناه لم يَخن، صدق وعده، لكنه غيّر الوجهة وغيّر الإطلالة، وما أجملها من إطلالة تلك التي تكون من علياء السماء مع الشهداء والقديسين، كما يليق به ويستحق، وكما ينتظر منذ أن خطت قدماه طريق القضية، وشقّه وصولاً إلى الهدف الأسمى ألّا وهو الشهادة، وكيف تكون خاتمة القادة العظام، قادة الميدان والكلمة والفعل إن لم تكن كذلك؟ وكيف يُعقل ألّا يكون السيّد غير شهيد الحق والقدس وفلسطين، غادرنا جسداً وبقي معنا روحاً تذكرنا بالانتصارات وتطالبنا بالمزيد، ترك لنا أمانة ثقيلة وكبيرة لحملها واستكمال طريق النضال والتحرير.
.. هو حزن وألم مهما عظم واشتدّ لن يرتقي ليكون بحجم السيّد، بشخصه ومكانته ورمزيته.. هو حزن بحجم الفرح والفخر والعزّ الذي أشعرنا به عام 2000 وعام 2006 وربما أكبر بكثير، ورغم صغر سني حينها، وربما عدم اكتراثي خوفاً من مشاهد الدم والموت والفقدان، وعدم تشكل وعيي السياسي ومعرفتي ماذا يعني كل ما جرى ولماذا وكيف؟ وماذا يعني أن يهزم حزب تعرّض للكثير من التشكيك الكيان الغاصب؟ إلّا أن شعور الإعجاب والتقدير للسيّد كان يلازمني ولا سيما عند سماع أحاديث الكبار، واليوم بعد أن كبرت أدركت كم أنا ممتنة لله لوجودي في زمنه، لوجودي في زمن من مرّغ أنف العدو، العدو ذاته الذي يقرّ اليوم بمكانته وعظم قيادته.
كيف تكون خاتمة القادة العظام قادة الميدان والكلمة والفعل إن لم تكن كذلك.. وكيف يُعقل ألّا يكون السيّد غير شهيد الحق والقدس وفلسطين؟
في لغة السيّد الحياة مستمرة وطريق التحرير يجب أن يُستكمل، ورحيل قائد يعني نهوض قائد جديد.. وفي لغة العقل والواقع والسياسة الحزب مستمر وهو على عهد الوعد والوفاء والثأر مهما اشتدّت المحن.. ونؤمن بأن النهج باقٍ، رغم رحيل أصحابه إلّا أنه يبقى ويشتد عوده ويصبح أكثر صلابة ومنعة، وفي التاريخ أمثال كثيرة، وفي لغة العقل باقون ومستمرون وبانتظار القائد الجديد.
.. لكن في لغة العاطفة وهي حق لنا، لا يمكن الفصل بين الحزب والسيّد، ومن المشقة أن نرى وننتظر غير السيّد ولا سيما أنني من الجيل الذي عاصره في انتصاراته وخطاباته، ولم أعاصر من قبله وما عرفتهم إلا من خلال الاطلاع على التاريخ والأحداث السياسية وترابطها، وأتذكر عندما كُنت طفلة وقبل إدراكي السياسي، وعلى سبيل الطرافة في ظل هذا الحزن الموجع، كُنت أخال السيّد الشهيد هو حزب الله والعكس صحيح، و كُنت أقول كيف يحمل شخص ما اسمين، لماذا وماذا يعني؟
.. هو حزن وألم، أن نزف إليه بشرى النصر الآتي مهما طال الطريق وشقّ، بدلاً من أن يزفها هو لنا، أن نهدي لروحه النصر مع كل رشقة صاروخ بدلاً من أن يهدينا إياه، إذ كنا نعتقد أن نرى دبابات العدو تحترق أو يطلّ علينا ويُشير بإصبعه إلى الحدث بالتزامن مع وقعه كما حرب تموز 2006، لكنه أدى المهمة وترك لنا الطريق وهو الآن بانتظار أفعالنا، وآمل من الله يا سيّد أن يمدنا بالقوة كي لا نخذلك ولتبقى بيننا وبينهم «الأيام والليالي والميدان».
المخاطر القادمة
ولمن ما زال يتحدث ويتساءل هل ستقع الحرب أم لا؟ نتساءل في مقابله إن لم يكن ما نحن فيه حرباً فماذا يكون؟ ولمن ظن أن باغتيال السيّد حسن نصرالله «يهدأ لبنان ويطمئن» وينجز العدو المهمة وتنتهي الحرب، عليه أن يقرأ ما يدور في الكواليس وما يعدّ له العدو، إذ كشفت وسائل إعلام أميركية، اليوم الأحد، أن «إسرائيل» بدأت أو على وشك أن تبدأ بتحركات حدودية ضيقة النطاق داخل لبنان، لافتة إلى أن العملية البرية في لبنان ستكون محدودة في حال المصادقة عليها.
نصر الله نجح في تغيير وجه المنطقة وخاصة لبنان حيث تحول حزب الله تحت قيادته إلى قوة عسكرية وسياسية هائلة
وزعم أحد المسؤولين الأميركيين أن واشنطن تحذر من أن الغزو البري الإسرائيلي للبنان قد يأتي بنتائج عكسية، مقدماً نصيحة لـ«إسرائيل» بأن تواصل نهجها وألا تقدم على شن غزو بري للبنان.
وفي وقت سابق، نقلت صحيفة «معاريف»عن مصادر إسرائيلية مطلعة، قولها: إن قرار العملية البرية في لبنان لم يتخذ بعد ولكن الجيش مستعد لذلك.
وأيضاً لمن يظن أن أيام «الرخاء» ستحلّ على لبنان، عليه أن يقرأ جيداً ما حذر منه الجيش اللبناني، وليدرك حجم المنتظر من انقسام وصولاً إلى الاقتتال وتغلغل العدو، إن لم يتم تداركه، إذ أصدر الجيش اللبناني تحذيراً لجميع اللبنانيين، بعد اغتيال السيّد نصرالله، مُهيباً باللبنانيين الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمسّ بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطرة والدقيقة، حيث يعمل العدو الإسرائيلي على تنفيذ مخططاته التخريبية وبث الانقسام بين اللبنانيين، وذلك على أثر إمعان العدو الإسرائيلي في اعتداءاته الإجرامية التي أسفرت عن استشهاد السيد نصر الله وأكثر من ألف شهيد، فضلاً عن آلاف الجرحى خلال الأيام الماضية.
نصر الله كان له دور كبير في نشر فكرة ضعف «إسرائيل» وهو المفهوم الذي ساهم ببناء صورته كقائد قادر على هزيمتها
وأكد الجيش اللبناني في بيانه استمرار قيادته في اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة، والقيام بواجبها الوطني للحفاظ على السلم الأهلي، وتدعو المواطنين إلى التجاوب مع هذه التدابير، والعمل بمقتضى الوحدة الوطنية التي تبقى الضمانة الوحيدة للبنان.
زلزال هائل
حتى بعد رحيله هو باقٍ في تحليلاتهم وإعلامهم، إذ وصف المحلل الإسرائيلي آفي يسخاروف، المتخصص في الشؤون العربية بصحيفة «يديعوت أحرونوت» اغتيال نصر الله بأنه زلزال هائل في الشرق الأوسط، حيث أكد أن تداعيات هذا الحدث ستكون عميقة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، مشيراً إلى أن نصر الله، الذي كان في 32 من عمره آنذاك، نجح في تغيير وجه المنطقة، وخاصة لبنان، حيث تحول حزب الله تحت قيادته إلى قوة عسكرية وسياسية هائلة، لافتاً إلى أن نصر الله أظهر حنكة سياسية فريدة، وقاد التنظيم نحو الانخراط في النظام السياسي اللبناني.
وأضاف المحلل: استطاع نصر الله بناء صورة الزعيم المتواضع الذي كان على استعداد لفقدان أقرب الناس إليه في معركته ضد «إسرائيل»، كما حدث مع ابنه هادي الذي استشهد في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي عام 1997، متابعاً: انسحاب «إسرائيل» من لبنان في أيار عام 2000، ثم حرب لبنان الثانية عززا من مكانة نصر الله ليس في لبنان فقط، بل في العالم الإسلامي كله، ويرى أن نصر الله كان له دور كبير في نشر فكرة ضعف «إسرائيل»، وهو المفهوم الذي ساهم في بناء صورته كقائد قادر على هزيمة «إسرائيل».