دروس غزة حاضرة.. مساع أميركية مُفخخة لتهدئة جبهة جنوب لبنان والمقاومة تدير المعركة بضبط النفس.. «فخ الموت» بانتظار العملية البرّية الإسرائيلية المُحتملة
تشرين- هبا علي أحمد:
تتسارع التحركات الأميركية والغربية والإقليمية لاحتواء الوضع في جنوب لبنان وما يشهده من عدوان إسرائيلي متواصل لليوم الرابع على التوالي، لكنها في الواقع تحركات مملوءة بالفخاخ لـ«ردع» المقاومة اللبنانية وإيقاف معركة الثأر لغزة ولبنان من كيان الاحتلال، ويتم الحديث عن هدنة محددة بـ 21 يوماً خاصة بجنوب لبنان من دون التطرق إلى غزة، في حين أشيع أمس عن مبادرة هي الأولى من نوعها يتم فيها ربط جبهتي غزة ولبنان في إطار حملة دبلوماسية أميركية تجري صياغتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فخاخ مُتجددة
وبصرف النظر عن مجمل تفاصيل مقترح الهدنة الذي تضمنه بيان مشترك صادر عن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ووافقت عليه دول عربية وغربية، فهو جزء في سلسلة الفخاخ التي تنصبها الولايات المتحدة للمقاومة اللبنانية، لكونه مقترحاً هشاً لا يلبي مطالب المقاومة التي تربط التهدئة بتهدئة غزة، وعليه فهو مرفوض مسبقاً، ما يستدعي «شرعنة» لعملية عسكرية برّية من كيان الاحتلال من وجهة النظر الأميركية، وعليه أيضاً وبناء على تجربة غزة فإن أي حديث عن هُدن ومفاوضات هو حديث لإعطاء الكيان المزيد من الوقت للتحشيد وجمع قواته على الحدود اللبنانية، أي الاستعداد للحرب والمواجهة والتغطية على ذلك تتم عبر ذاك الحديث، فيما معناه قلب المعادلة على المقاومة اللبنانية، وحتى استكمال التحضيرات تستمر الوحشية الإسرائيلية قصفاً وقتلاً واستهدافاً للمدنيين ليس في جنوب لبنان فحسب، بل على امتداد الجغرافيا اللبنانية، حتى في أماكن النزوح ومراكز الإيواء، والمعابر الحدودية وحركة النازحين.
التحركات لاحتواء الوضع جنوب لبنان مملوءة بالفخاخ لـ«ردع» المقاومة وإيقاف معركة الثأر لغزة ولبنان من كيان الاحتلال
.. المساعي السابقة الذكر تتعارض تماماً مع التحركات الإسرائيلية، فبالتوازي مع علو صوت الدعوات لوقف إطلاق النار في لبنان، لا يُغادر حديث الاستعداد لهجوم بري كيان الاحتلال ووسائل إعلامه، وحديث عن المصادقة على عمل عسكري بناءً على اجتماع أمني، وهذا يقود إلى مطابقة مع ما يشير إليه محللون أجمعوا على أن كيان الاحتلال كان يعد لعمل عسكري مسبقاً ضد لبنان وينتظر الفرصة للقيام به، وإذا أخذنا هذه التحليلات من باب ما هو واقع، فإن العملية العسكرية قائمة وممكنة في أي لحظة، ولا سيما أن الرد على تلك التحركات، خصوصاً الأميركية – الفرنسية ذات الصلة، كان ما أشار إليه مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن الأنباء عن وقف إطلاق النار في الشمال غير صحيحة ونتنياهو لم يرد على الاقتراح الأميركي- الفرنسي، بل أوعز إلى الجيش بمواصلة القتال بكل قوة ووفقاً للخطط التي عُرضت عليه، والأكثر من ذلك ما أشار إليه المتحدث باسم الخارجية القطرية بأنه لا يوجد حتى الآن مسار وساطة رسمي يعمل على وقف إطلاق النار في لبنان، ولا علم لنا بوجود ارتباط مباشر بين مقترح وقف إطلاق النار في لبنان ووقف إطلاق النار في غزة، وهذا يقود إلى أن الحديث عن هدنة لا توجد له معطيات على الأرض، بل يوسع مروحة عدوانه على لبنان ويلوح باجتياح محتمل وباستدعائه لواءين احتياطيين لتنفيذ ما وصف بـ«مهام عملياتية» على الجبهة الشمالية.
ماذا عن حزب الله؟
حزب الله يُقابل كل ما سبق ذكره بالصمت، ولا سيما أنه خبر كل المداولات والنقاشات والمفاوضات التي حصلت، وإن كان الحزب بتنظيمه وموقعه في الصراع مع العدو ومواجهته ليس بحاجة للاستفادة من الدروس، ومع ذلك خبر دروس حرب غزة، لذلك لا ينفع سوى الصمت مُقابل حديث السياسة، في حين لديه المتسع الأكبر في الميدان ليوصل الرسائل، وكل يوم هو قادر على إيصال رسائل مختلفة ونوعية، قاسية ومؤلمة للعدو، عبر نوعية الصواريخ ومداها الجغرافي وحجم التداعيات التي تتركها في الداخل الإسرائيلي من خلافات وانقسامات وهروب إلى الملاجئ.
حزب الله يُقابل التحركات بالصمت في حين لديه المتسع الأكبر في الميدان ليوصل رسائل مختلفة وبنوعية قاسية ومؤلمة للعدو
وفي رسائل الحزب الجديدة تم قصف مستعمرة «كريات موتسكين» ومُجمعات الصناعات العسكرية لشركة «رفائيل» في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا بِصليات من الصواريخ، والمفاجآت قادمة.
فخ الموت
ورغم التلويح الإسرائيلي بعمل عسكري ضد لبنان، تنحو وسائل إعلام العدو باتجاه آخر، مغرقة في تفاصيل عدم إمكانية هزيمة حزب الله، حيث تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عما يمكن أن يتعرض له جيش الاحتلال في حال بدأ الهجوم البري على لبنان، الذي سيكون بمنزلة فخ الموت الذي يعده حزب الله، مشيرة إلى أن أغلبية القيادة العليا ترى أن «إسرائيل» ارتكبت خطأ مأساوياً ومريراً في موضوع الدخول البري إلى لبنان مرتين من قبل في عامي 1982 و2006، وعليها ألا تدخل مرةً جديدة، موضحة أنّ سلوك «إسرائيل» اليوم يشبه سلوكها في بداية حرب عام 2006، حيث اعتقدت أنها ستهزم حزب الله من خلال القوة الجوية ومن دون غزو بري.
أي هجوم عبر البر سيكون أكثر تعقيداً وخطورةً بالنسبة لـ«إسرائيل» من الهجوم الجوي وبمنزلة «فخ الموت» الذي يعده حزب الله
وعندما فشل ذلك، واستمر حزب الله في إطلاق النار على المستوطنات في «إسرائيل» اضطرت الأخيرة لغزو لبنان، وهو الغزو والحرب اللذان لم يحققا أيّاً من أهدافها.
وفي وقت سابق، تحدثت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عما يمكن أن يتعرض له كيان الاحتلال في حال الاستمرار في العدوان على لبنان وتوسّع الحرب مع حزب الله، الذي «ازدادت قوته على مدى السنوات الـ18 الماضية» منذ حرب تموز عام 2006.
وأشارت الصحيفة إلى احتمال أن يقوم حزب الله بإطلاق ما يصل إلى 3000 صاروخ وقذيفة يومياً باتجاه «إسرائيل» في هجمات كثيفة مصممة لإرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية، والتركيز على أهداف دقيقة ومحددة، من القواعد العسكرية إلى المدن، وهو احتمال حذّرت منه دراسة حديثة أجرتها جامعة «رايخمان» الإسرائيلية، أما استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان فيعتمد إلى حد كبير على الحسابات السياسية التي يتبناها نتنياهو، وأكدت الصحيفة أنّ أي هجوم عبر البر سيكون أكثر تعقيداً وخطورةً بالنسبة لـ«إسرائيل» من الهجوم الجوي.
دروس تموز
وحسب الصحيفة أقرّ إيهود أولمرت، الذي تولى رئاسة حكومة الاحتلال خلال حرب تموز 2006 بأن معاناة «إسرائيل» لن تشبه شيئاً مما عانته من قبل في كل حروبها ضدّ الدول العربية منذ عام 1948، محذراً من أنّ الصراع الشامل مع حزب الله، الذي قد يتوسّع إلى إيران، سوف يكون مؤلماً ودموياً للغاية، لافتاً إلى أن الدرس الأكثر أهميةً الذي تعلمناه من حرب تموز هو أن نعلّم أنفسنا أن نكون أكثر تواضعاً، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً.
قلق إسرائيلي بالغ من ضبط النفس النسبي والسيطرة اللذين يبديهما حزب الله في إدارة معركته
وذكرت الصحيفة أنّ الأهداف التابعة لحزب الله في حرب تموز التي حددها سلاح الجو الإسرائيلي مسبقاً، نفدت خلال الأسبوع الأول من الحرب، إلا أنّه لم يضرب إلا مواقع حزب الله التي كشفها القتال، وليس مواقعه الاستراتيجية، وتلك الحرب انتهت إلى طريق مسدود وازدادت قوة الحزب على مدى 18 عاماً.
أما الآن، بعد هذه الأعوام الـ18، وبينما يدفع العدوان الجوي الإسرائيلي الواسع على لبنان إلى حافة حرب أخرى، تكون شاملة النطاق، فإنّ «الدروس العسكرية التي تعلّمها الجانبان، أو لم يتعلّماها، قد تعيد تشكيل المنطقة»، مشيرة إلى أنّ حزب الله استفاد من دروس تموز.
وإلى جانب المعطيات العسكرية التي تثير المخاوف في كيان الاحتلال، أبدى مسؤول سياسي إسرائيلي كبير قلقاً بالغاً من ضبط النفس النسبي والسيطرة اللذين يبديهما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إدارة معركته، ولدى تعليقها على استهداف مقرّ «الموساد» في ضواحي «تل أبيب» بصاروخ باليستي من نوع «قادر 1»، قالت القناة الـ12: إن الهجمات الإسرائيلية ضد لبنان لا تعني أنّ نصر الله غير قادر على توجيه ضربات، بل إنّه يفعل من خلال التفكير، ونحن حتى الآن لا نعرف ما الذي يفكر فيه، فالحزب يمكنه أن يفعل أكثر من ذلك.