“ماما” أميركا والديمقراطية القاتلة…
مرعب أننا لم ندرك إلا مؤخراً، أن هذا العالم لا تحكمه قوانين ولا يردعه رادع، حتى شريعة حقوق الإنسان تحولت إلى حبر مكتوب على ورق ومنقوش بالدم، رغم تاريخ أميركا الحافل منذ الاكتشاف الأول للمدعو كولومبوس، ذاك الذي جاء بالحيلة والودع وبسحر والطلاسم لعب على مشاعر أصحاب الأرض وأسيادها وحولهم إلى عبيد ليرد لهم الشمس.
لكن هل تعلمون أن حتى هذا التاريخ مزور وليس هذا المحتال هو من اكتشف أرض الأحلام، لسنا اليوم هنا لنفضح المستور بكذبة كولومبوس بل لنأكد على أن من بنى إمبراطورية على الاستعباد والسرقة والنهب والجنون لا يحق له أن يحاضر بحقوق الإنسان والديمقراطية، ولا يحتل ويغزو دولاً بحجة نشر العدالة والحرية.
لطالما كانت بدعة حقوق الإنسان والحركات وسيادة القانون وحرية التعبير ونشر الديمقراطية أدوات استعملها الغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، خلال الحرب الباردة لتحريض الشعوب على الثورات للإطاحة بالأنظمة، من أجل الإطاحة بالمعسكر الاشتراكي إبّان الحرب الباردة وتفكيك الاتحاد السوفييتي، وبعدها أصبح هذا السلاح أكثر فتكاً.. فالديمقراطية الغربية، الذي وصفها جون بول سارتر بأنها فخ للحمقى، أصبحت قاتلة للشعوب الأخرى، وهذا ما حدث فعلاً مع بداية الألفية الجديدة، عندما شنت الولايات المتحدة حروبها على الشرق ونفذت ٢١ عملية عسكرية وتسببت بنزوح ٣٢ مليون شخص في العالم.
والغريب بـ”ماما“ أميركا كما تحب الأخيرة أن تكون بأنها تفرض عقوبات على الدولة وتصنع الثورات الملونة التي صبغت أي دولة عصفت بها رياح الثورة الملونة بالظلم والظلام، ولن ننسى العراق أيقونة العالم العربي بلاد الرافدين الذي دخلوا يبحثون فيها عن أسلحة دمار شامل نهبوا، سرقوا، غزوا، احتلوا، فرقوا ليسودوا وأطاحوا بنظام صدام حسين.. وهذا ما أكدته الوزيرة السمراء الساحرة الشريرة كوندوليزا رايس التي بشرت بشرق أوسط جديد، أكدت أن احتلال العراق كان ليس من أجل نشر الديمقراطية بل من أجل الاطاحة بالنظام.
وما أشبه كولومبوس بتلاميذه، فكما بث الرعب والرهاب بين الهنود الحمر وعمل على الوتر الديني والقومي، هكذا فعلوا خلقوا وحوشاً غير موجودة وأعداء وهميين، وأصبح أي عرق أو دين أو جنسية أو دولة لا تقدم لهم الطاعة والقرابين من ثوراتهم، أطلقوا عليهم مصطلحات وصفات ليست بجديدة بل مدونة في صفحات تاريخهم الأسود، السياسات التي استخدمها الغرب والمفردات تأخذنا إلى فهم العقلية الاستعمارية له والتي ترى أن من حقها الطبيعي نهب وسرقة شعوب الأرض وتدمير حضارتهم وقتلهم من أجل الاستمرارية على طريق قانون الغاب.
وإذا قرأنا جيداً في التاريخ، نرى أن المصطلحات والمفردات ذاتها تتكرر منذ بدء الاستعمار الغربي لأمريكا وقتل سكانها الأصليين تحت ذريعة أنهم وحوش بشرية تقف في وجه تقدم الحضارات وارتكاب مجازر الإبادة بالإضافة وللحروب الجرثومية والبيولوجية التي صنعت في عمق المعامل جنباً إلى جنب مع اللقاحات.
وما عزز أفكار الغرب تسويق عصابة السينما العالمية هوليوود، كانت منصة لإيصال أفكارهم وتمجيد حضارتهم المزيفة واستحقار كل من قال لن نكون عبيداً لإمبراطورية الشر، التي ازدهرت وحكمت العالم بالدم والنار ونهب الشعوب وسرقة الثروات، والتي كان أهم ضحاياها الشرق الأوسط.. وهنا نطرح سؤالاً: أين ذهبت أموال هذه الدول التي تعرضت للغزو الامريكي من العراق وليبيا وغيرها الكثير؟ أين ذهبت الأصول المجمعة؟
قبل أن نتكلم عن الأموال المسروقة التي تم نهبها نعود إلى التصريحات الأمريكية منذ بداية الألفية، عندما قال نائب وزير الدفاع آنذاك وبكل صراحة: إن الاختلاف بين كوريا الديمقراطية والعراق، أن العراق يطفو على بحر من نفط ولهذا كان تصريح وزير الدفاع تشاك هيغل نحن نقاتل في العراق من أجل النفط وليس من أجل التين، وكتب في وثيقة مشروع صفقة القرن.
إن الحاجة إلى وجود قوى أمريكية في الخليج الفارسي تتجاوز قضية صدام لم يكتفِ الغرب من سرقة أموال الشعوب وثرواتهم بل تاريخها والآثار القيمة من الحضارات القديمة التي تزين اليوم متاحفهم من العراق إلى أفغانستان وصولاً إلى القطب الجنوبي إلى الفضاء، وحتى سكان جوف الأرض وهذا ما يروجوه في الآونة الأخيرة في كل مكان، تركت بصمة تؤكد ارتكابها لجرائم لن تمحى من ذاكرة الشعوب،
أميركا ”دراكولا النفط” الذي امتص خيرات الشعوب استعمل قواته العسكرية لنهب الأرض والبشر من أجل بناء حضارته المجيدة فمن السطو على ثروات العراق التي قدرت خسائرها بـ ١٥٠ مليار إلى السيطرة على المنتجات التي تستعمل في الصناعات النووية فالثروات التي نهبت من أفغانستان تقدر بتريليون دولار من الحديد والنحاس والذهب والمعادن وتقدر خسائر ليبيا سنويا بـ ٧٥٠ مليون دولار لا تزال سياسة العم سام هي نفسها تمارس في المنطقة.. ٦٦ ألف برميل نفط أي ما يعادل ٨٢ بالمئة من إجمالي ناتج النفط السوري وهذا السبب الرئيسي على إبقاء قاعدتها العسكرية في قاعدة التنفيذ شمال شرق سورية.
إن العالم اليوم يعيد ترتيب نفسه وبساط القطب الواحد ينسحب من تحت إمبراطورية ما غاب عنها الإجرام يوماً. البعيدة كل البعد عن الإنسانية والعدالة والحرية.
لقد استمرت الولايات المتحدة باتباع النهج ذاته منذ الحرب الباردة وحصارها للاتحاد السوفييتي وصولاً إلى فتح أحضانها لاستقبال دول الفضاء السوفييتي بعد التفكك، فستقبلتهم في حلفها وحاولت تطويق روسيا من كل الاتجاهات، فلونت الثورات لتنهب الثروات وتسلم السلطة لوكلائها.
ووصل البطش الأميركي الى أوكرنيا، فمنذ بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا في شباط 2022 تبرأت واشنطن من هذه الحرب وحتى من مشاركتها فيها رغم دعمها اللامحدود لنظام زينلسكي. تطورت الأحداث وتوسعت رقعة الصراع وتفلت الخيوط من يد الأميركي. وروسيا لم تتآكل من داخل لم تفلس، وبوتين رئيس لروسيا في نسبة فاقت 89 %، رأت “ماما” أميركا أنه لا بد من ضربة تغيير من واقع الميدان فحلقت الـ “f16” في سماء روسيا ووصلت المسيرات إلى قلب العاصمة موسكو، وتفاخروا في هجومه الفاشل على كورسك.
هم أرادوا تغير اللعبة واستفزاز روسيا لكي يدوس سيد الكرملين على الزر النووي وتمحي بذلك عار هوروشيما ونكازاكي .
إلا أنه على ما يبدو أن الأميركي لا يعرف بوتين أبداً فرغم التأكيد على تغيير بالعقيدة النووية، ورغم إعلان الرئيس بوتين أن روسيا مستعدة لكل الخيارات ونكون أو لا نكون، إلا أنه يدرك تماماً أن الولايات المتحدة تريد استدراجه إلى ضربة نووية.. وآخرها كانت محطة زابوروجيا فكل الخبراء والمحللين باتوا على قناعة تامة في أن كييف هي من أصدر الأمر مرة أخرى بمهاجمة محطة زابوروجيا للطاقة النووية من أجل لفت انتباه المجتمع الدولي إلى أوكرانيا، التي كاد الغرب أن ينساها.
من ناحية أخرى بهذه الطريقة تثبت القوات المسلحة الأوكرانية لحلفائها القدرة على الهجوم على عدة جبهات: في منطقتي كورسك وزابوروجيا.
بدأ الأمر بأن اندلع حريق واسع النطاق في برج التبريد في محطة زابوروجيا للطاقة النووية نتيجة لقصف الجيش الأوكراني، وبحسب روس أتوم (الوكالة الذرية الروسية)، قامت مسيرتان بضرب المنشأة، ما أدى إلى نشوب حريق “مع احتراق الهياكل الداخلية”.
وأفاد المركز الصحفي للمحطة في الصباح أن برج التبريد احترق بالكامل من الداخل، لكن لا يوجد خطر الانهيار، وألقى فلاديمير زيلينسكي باللوم في الحريق على روسيا، التي تسيطر على المنشأة منذ عام 2022. فيما وصفت روس أتوم هذا الهجوم بأنه عمل من أعمال الإرهاب النووي.
إذاً على مر التاريخ لم تخرج أميركا من دائرة الشر والخداع تجر الشعوب الى ساحات الحرب تفرق لتسود، لكن اليوم العالم استيقظ من شماله الى جنوبه وصولاً الى القارة السمراء، فكل الشعوب تريد التفلت من الطوق الأميركي وتنجذب إلى مغناطيس الشرق، إلى شاطئ “بريكس” تتوجه الدول بحثاً عن مرفأ للسلام والعدالة والشراكة، وفي الختام لا بد من التأكيد أن الإمبراطوريات تتوسع بالحروب والخداع إلا أنها ستسقط في بحر شرورها.
وهنا نستحضر ما قاله الكاتب الروسي مكسيم غوركي “إن هؤلاء الأمريكان لديهم كل شيء يتمناه الإنسان، إلا شيئاً واحداً وهو الإحساس بالإنسانية!، لذلك حين دخل الأديب الإيرلندي أوسكار وايلد ميناء نيويورك، واستوقفه شرطي الجمارك.. سأله: هل تحمل معك ممنوعات؟! قال: نعم، أحمل معي إنسانيتي .”