لعبة أميركية مكشوفة لتحييد إيران في غزة وفي الإقليم.. الكيان الإسرائيلي يوسع تهديدات الحرب ضد لبنان لكن التنفيذ ينتظر عودة ترامب!
تشرين – مها سلطان:
تدرك الإدارة الأميركية أن حملة التضليل التي تقودها ضد إيران لن تنفعها على المدى الطويل، سواء بشقها المتعلق باحتواء إيران في المنطقة وفي علاقاتها مع روسيا والصين، أو بشقها الفلسطيني المتعلق بقطاع غزة وتداعيات الحرب الإسرائيلية عليه والتي تكاد تنهي عامها الأول.
وتدرك أيضاً أنها لا تستطيع بهذه الحملة سوى التشويش على إيران ومواقفها مؤقتاً، على أمل أن تؤخر ما أمكنها الرد على اغتيال مسؤول المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية، فقد تستطيع تمرير شيء ما في هذه المرحلة على مستوى الرد الإيراني وعلى مستوى تطورات الأيام الأخيرة في مشهد الحرب الذي اتخذ تداعيات إقليمية خطرة.
واشنطن مازالت تأمل أن باستطاعتها تمرير شيء ما في المرحلة المقبلة يؤخر الرد الإيراني على اغتيال هنية ويضع إيران في دائرة المسؤولية المباشرة عن التصعيد وتداعياته
الحملة الأميركية ضد إيران، التي تضم كالعادة بريطانيا وألمانيا، ووسائل إعلام غربية تتكفل بتوسيع الحملة واستضافة كل عدو ومتخاذل لتصدير أكبر كم ممكن من الأكاذيب وتحويلها إلى حقائق.. من المتوقع أن تستمر في الأيام المقبلة بصورة أكبر وأخطر خصوصاً في ظل التصعيد الإسرائيلي باتجاه لبنان والتهديد علناً بالحرب الموسعة، فيما لا يبدو أن أميركا تمارس دوراً ضاغطاً لاجماً على الكيان الإسرائيلي رغم تصريحاتها المخادعة حول ذلك.
تهديدات وعقوبات
واشنطن هددت مؤخراً بفرض المزيد من العقوبات ضد إيران بزعم «تعاونها العسكري مع روسيا» فيما يخص العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن مساء أمس: إن الإدارة الأميركية ستشدد عقوباتها ضد إيران، وأضاف: في الأيام الأخيرة، قدمنا لحلفائنا وشركائنا البيانات التي تؤكد هذه الاستنتاجات (المتعلقة بتطوير التعاون العسكري التقني بين إيران وروسيا)، وعملنا معاً لضمان أن تواجه طهران عواقب اقتصادية كبيرة. وفي وقت لاحق من اليوم ستعلن الولايات المتحدة عن عقوبات جديدة ضدها، بما في ذلك إجراءات إضافية ضد شركة الطيران «Iran Air».
وكانت واشنطن قد فرضت نهاية تموز الماضي عقوبات جديدة على إيران بزعم «التصعيد المستمر» في برنامجها النووي، وقبل أيام اتهمت واشنطن إيران بـ«إقدامها على تزويد روسيا بصواريخ باليستية وبتكنولوجيا تصنيعها»، وأنذرت طهران بتوقيع عقوبات صارمة جديدة عليها إن لم تمتثل وتتوقف فوراً عن هذا التعاون، وشمل التهديد وقف كل الرحلات الجوية الإيرانية إلى المطارات الأوروبية، إضافة إلى عقوبات أميركية ودولية أخرى.
وعن المنطقة وتطورات ميدان غزة، جدد بلينكن (في المؤتمر نفسه) دعم الكيان الإسرائيلي لمواجهة أي هجوم إيراني، على حد تعبيره، وقال: «إسرائيل» تواجه تهديدات بهجوم من إيران وواشنطن جاهزة لمساعدتها في التصدي له.
التغطية على الإبادة
بالمقابل، نفت إيران ما تنشره أميركا من أخبار مضللة، هدفه التغطية على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة وأهلها، حسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الذي أشار إلى خبر وصول الطائرة الأميركية رقم 500 المحملة بمختلف أنواع الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي.
الكيان أسقط 36 كغ من القنابل والصواريخ على غزة وهو رقم قياسي عالمي من حيث الوحشية والهمجية ولم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية
وقال كنعاني، عبر حسابه على منصة «إكس»: الكيان الصهيوني أسقط 36 كيلوغراماً من القنابل والصواريخ على كل فلسطيني مقيم في قطاع غزة، وهو رقم قياسي عالمي من حيث الوحشية والهمجية، ولم يسبق له مثيل مقارنة بجرائم أكثر الأنظمة وحشية في تاريخ البشرية.
وأضاف كنعاني: إن «بعض الدول الأوروبية والغربية الأخرى، التي تدعي مثل أميركا أنها راعية لحقوق الإنسان على المستوى العالمي وداعمة لتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ساهمت هي الأخرى خلال الأشهر الأحد عشر الماضية في تعزيز الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني عبر إرسال أنواع مختلفة من القنابل والأسلحة الفتاكة.
وأكد كنعاني أن «نشر الأخبار الكاذبة والمضللة حول نقل الأسلحة الإيرانية إلى بعض الدول هو مجرد خطوة دعائية قبيحة وكاذبة تهدف إلى إخفاء الأبعاد الواسعة للدعم العسكري غير القانوني الذي تقدمه أميركا وبعض الدول الغربية للإبادة الجماعية في قطاع غزة»، مشدداً على ضرورة «ألا تؤدي هذه الأكاذيب إلى تحويل انتباه المجتمع الدولي عن مسؤولياته في السعي لوقف آلة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ومحاسبة داعميه».
جبهة الشمال
واشنطن وإن كانت تسعى بكل جهدها لزج إيران «غيرها» في إطار المسؤولية المباشرة لما ستقود إليه تطورات جبهة غزة إقليمياً، إلا أنها لا تخفي بالمقابل خشيتها مما تحمله المرحلة المقبلة، وهي غير متيقنة كلياً بأن مسار الأحداث، أو اندلاع حرب موسعة «أو مع لبنان فقط» سيكون في مصلحتها، أو في مصلحة الكيان الإسرائيلي بعد 11 شهراً من الحرب على غزة.
وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فإن مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى نقل تحذيرات إلى الكيان من خطورة تصعيد الميدان مع لبنان/حزب الله، قائلاً: إن «الحرب ضد حزب الله من دون التفكير في العواقب سيكون أمراً خاطئاً»، مشيراً إلى أنه «إذا ذهبت إسرائيل للحرب في لبنان فلن تكون هناك منازل لتعود إليها»، في إشارة إلى تعطل الحياة في شمال الكيان ونزوح عشرات آلاف السكان منذ بدء الحرب.
في الكواليس.. واشنطن تنقل للكيان خشيتها من أنه إذا ذهب إلى حرب مع لبنان فإن العواقب لن تكون كما يشتهي وقد لا تكون هناك منازل ليعود إليها
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن هناك محاولات لمنع تصعيد الصراع لأنه ينطوي على خطر الانجرار نحو حرب إقليمية، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن «أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة سيفتح الباب أمام اتفاق شامل في لبنان».
وفي الأيام الماضية كان هناك حديث أميركي عن «خطة بديلة لحل دبلوماسي» من دون الكشف عن تفاصيل، أو التطرق لمسألة التهديدات الإسرائيلي العلنية بقرب شن هجوم ضد لبنان.
وكان وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت قال أمس: إن الجيش الإسرائيلي لديه «مهمة لم تكتمل في الشمال» وقال: إن “تركيزنا يتحرك شمالاً، وبتنا على وشك الانتهاء من عملياتنا في الجنوب. وأضاف: مستوى الاستعداد عالٍ، وانتهينا من تدريب القوات استعداداً للعملية البرية في الشمال.
هذا التهديد لا يتطابق كلياً مع ما ينشره الإعلام الإسرائيلي نفسه حيال أن الكيان لا تتوافر له الإمكانيات اللازمة لتوسيع الحرب على لبنان حتى مع الدعم الأميركي، بدليل الحركة الأميركية التي لا تهدأ في لبنان والمنطقة لاحتواء التداعيات، ما يعني في أحد الجوانب أن الهدف من الاستمرار في إطلاق التهديدات يصب في تثقيل الضغوط الأميركية على أطراف المنطقة من خلال تصعيد مستوى المخاوف إلى أقصى حد، فتتولى هذه الأطراف مهمة الاحتواء والتراجع، لتأتي بعدها الإدارة الأميركية وتقدم «الحلول الدبلوماسية».
لكن هذه الإدارة زائلة أو هي بحكم منتهية الصلاحية، وكل ما يفعله الكيان الإسرائيلي حالياً هو إضاعة الوقت قبل تنصيب إدارة جديدة، أياً يكن رئيسها، ترامب أم هاريس، فهو بلا شك لن يدفع الكيان إلى دائرة الهزيمة والانهزام لا في غزة ولا في الإقليم.
انتظار ترامب
وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن الكيان ينظر إلى الانتخابات الأميركية كـ«موعد مفصلي في مسار الحرب»، وهذا الموعد مرتبط حصراً بفوز ترامب. ووفق تقرير للقناة 13 الإسرائيلية فإن متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو يَعُد الأيام بانتظار عودة ترامب، ونقلت عنه قوله في مناقشة أمنية حساسة: إن «ترامب يفهم التحديات التي نواجهها بشكل أفضل»، وأنه «ستكون لدينا مشكلة مع الجانب الآخر» في إشارة إلى احتمال فوز هاريس.
وتطرق نتنياهو إلى تفاصيل لقائه مع ترامب خلال زيارته إلى واشنطن قبل نحو شهرين، مشيراً إلى أنه تحدث معه بشأن إيران، معتبراً أن مناقشة المسائل مع هاريس ستكون أكثر صعوبة كما كانت الحال مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وحسب تقرير القناة الإسرائيلية، فإنه بالنسبة لنتنياهو، كانت المناوشات مع أوباما حول قضية الاتفاق النووي مع إيران بمنزلة تجربة مؤلمة، وهو يعتقد أن فوز هاريس سيؤدي إلى هذه الاحتكاكات مرة أخرى، لذلك هو لا يترك مجالاً للشك لدى الحاضرين في الغرفة «خلال المناقشة الأمنية» بأنه يقوم بالعد التنازلي للأيام حتى موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل.
وأضاف التقرير إنه بالنسبة لنتنياهو، يعد هذا تاريخاً رئيسياً في الحرب، لأنه إذا أعيد انتخاب ترامب فسوف يشعر بارتياح كبير، على حد قوله.