الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحذّر من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية.. قره فلاح: من المتوقع أن يشهد مناخ البحر المتوسط تغيرات ملحوظة بعضها شاذّ أو غير معتاد
تشرين- باسمة اسماعيل:
بدأت مؤخراً تطلق عبارات ومصطلحات ومفاهيم على ألسنة البعض، ولا نعلم إن كان البعض يستند إلى بحوث علمية أم هي هرطقات كلامية فقط، استندوا بها إلى تغيّر بعض الظواهر الطبيعية مؤخراً، وإطلاقهم مثلاً “شتاء مبكراً أو خريفاً مبكراً”، وغيرها من المصطلحات.
“تشرين” التقت الدكتور رياض قره فلاح أستاذ علم المناخ في جامعة تشرين، الذي أكد أن هذه المفاهيم غير موجودة على المدى الزمني القصير، وأن بدايات ونهايات الفصول تتغير كل عشرات آلاف السنين، فالموضوع قبل كل شيء يرتبط بمتوسطات درجات الحرارة، وحركة ومدار الأرض شبه الثابتة حول الشمس، وليس بهطل المطر بشكل مباشر، وخاصة أن المنخفضات لها وقت للحدوث شبه ثابت، فحركة الأرض حول الشمس تحتاج آلاف السنين كي تتغير وتتغير معها بدايات الفصول ونهاياتها.
التنّين البحري ظاهرة جوية نادرة نسبياً وحدوثه صيفاً مؤشر مقلق لمستوى احترار مياه المتوسط
وأضاف: أكدت تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الأخيرة على حدة أزمة التغيرات المناخية، وأنها ناتجة بشكل أساسي عن الأنشطة البشرية، وخاصة انبعاثات غازات الدفيئة، كما حذرت من أن التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية ستزداد سوءاً إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لخفض الانبعاثات، حيث شهد عاما 2023 و 2024 استمراراً في ارتفاع المتوسط العالمي لدرجة حرارة سطح الأرض، فقد سجلت درجات الحرارة العالمية مستويات قياسية جديدة، وهذه التغيرات من صنع الإنسان ونتيجة لزيادة تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.
شهد عاما 2023 و 2024 استمراراً في ارتفاع المتوسط العالمي لدرجة حرارة سطح الأرض
وتابع قره فلاح : أبرز نتائج تغيرات المناخ على سورية، أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تعد من المناطق الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، حيث تتسارع درجات الحرارة بالارتفاع بشكل يفوق المتوسط العالمي البالغ 0.2 درجة كل عشر سنوات، بينما يبلغ في سورية 0.4 درجة كل عشر سنوات، كما يتسبب ارتفاع حرارة مياه البحر المتوسط في حدوث تأثيرات كبيرة على المناخ في المستقبل، فمن المتوقع أن يشهد مناخ البحر المتوسط تغيرات ملحوظة، بعضها يمكن اعتباره شاذاً أو غير معتاد.
فصول انتقالية أكثر قسوة
وأشار قره فلاح إلى أن التوقعات تشير إلى استمرار درجات الحرارة في الارتفاع، مع توقع تسجيل درجات حرارة قياسية خلال فصل الصيف، قد تصبح موجات الحر أكثر شدة وتكراراً، ما يزيد من الضغط على الأنظمة البيئية والزراعية، زيادة في شدة العواصف والأمطار الغزيرة، ومن المحتمل أن تصبح العواصف المتوسطية أكثر قوة، مع زيادة في كمية الأمطار المصاحبة لها، هذا يمكن أن يؤدي إلى فيضانات مفاجئة وتآكل التربة، وخاصة في المناطق الحضرية والساحلية، نقص المياه والجفاف الطويل، بالرغم من زيادة شدة العواصف في بعض الفصول، من الممكن أن تواجه مناطق معينة جفافاً مطولاً نتيجة لتغير أنماط الهطول، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نقص في الموارد المائية، وبالتالي يؤثر على الزراعة والغابات والموارد المائية، والتغير في الأنظمة المناخية: من الممكن أن يحدث تغير في الأنظمة المناخية التقليدية في المنطقة، ما يجعل التنبؤ بالطقس أكثر صعوبة، على سبيل المثال قد نشهد فصولاً انتقالية أكثر قسوة، مثل شتاء دافئ نسبياً أو ربيع أكثر حرارة مما هو معتاد.
الأمن الغذائي
ومن التوقعات المحتملة، حسب قره فلاح، زيادة وتيرة الظواهر المناخية الشاذة كالعواصف الرملية وموجات الحرارة المتطرفة في غير موسمها، نقص المياه التي ستزيد من حدة الجفاف، ظواهر جوية متطرفة كالأعاصير والفيضانات والجفاف، تأثيرات على النظم البيئية، ما أدى إلى فقدان التنوع البيولوجي وانتشار الأمراض وتغيرات الدورات الزراعية للعديد من النباتات، وتدهور الزراعة، ما يؤثر على الأمن الغذائي ويزيد من الهجرة، وتدهور الأراضي، وبالتالي يؤدي إلى التصحر وزيادة معدلات التعرية.
من التوقعات المحتملة زيادة وتيرة الظواهر المناخية الشاذة كالعواصف الرملية وموجات الحرارة المتطرفة في غير موسمها
ظاهرة جوية نادرة
حول ظاهرة التنين البحري الذي حدثت ثلاث مرات بشكل متفاوت الشدة خلال أسبوع في اللاذقية، أكد قره فلاح أن التنين البحري ظاهرة جوية نادرة، تحدث عندما تتكون عاصفة رعدية قوية في البحر، تؤدي إلى تشكل عمود من الهواء والماء يمتد من السحب إلى سطح البحر، مشابه لما يعرف بالشاهقة المائية أو الإعصار البحري المصغر، يظهر التنين البحري على شكل عمود دوار يشبه الإعصار، وهو يُعتبر في بعض الثقافات والأساطير مخلوقاً أسطورياً أو تنيناً يظهر من البحر.
نادرة نسبياً
وأوضح أن هذه الظاهرة تحدث بشكل أكثر شيوعاً في المناطق الاستوائية أو في المناطق الساحلية الدافئة خلال فصل الصيف، لكنها تبقى ظاهرة نادرة نسبياً، والتغيرات المناخية وارتفاع حرارة سطح البحر لها دور في ذلك، في سورية يبدو التنين البحري أكثر انتشاراً في الشتاء مترافقاً مع العواصف الرعدية، أما حدوثه صيفاً فهو مؤشر مقلق لمستوى احترار مياه المتوسط، وما قد تسببه من أعاصير على هذه الشاكلة مستقبلاً.
وأضاف: التنين البحري يلاحظ غالباً خلال الصيف، عندما تكون المياه دافئة نسبياً يحدث معها عدم استقرار جوي، ما يؤدي إلى تشكل عواصف رعدية فوق البحر، الدفء يؤدي إلى تصاعد بخار الماء وخلق بيئة مثالية لتشكيل الأعمدة الدوارة، وإن تكوّن التنين البحري يتطلب وجود فارق في درجة الحرارة بين سطح البحر والهواء أعلاه، فالعواصف الرعدية القوية تؤدي إلى تصاعد تيارات الهواء الدافئ الرطب من البحر إلى السحب، ما قد يسبب تشكيل عمود دوار من الهواء والماء، تبدأ العملية بتصاعد الهواء الرطب من سطح البحر بسبب سخونته، ويصعد هذا الهواء إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، عندما يصل الهواء الرطب إلى طبقات باردة، يتكثف بخار الماء مشكلاً سحباً كثيفة وعواصف رعدية، وبسبب اختلاف درجات الحرارة والرياح على ارتفاعات مختلفة، يمكن أن يتشكل عمود دوار من الهواء والماء، يبدأ من السحب ويمتد نحو سطح البحر.
وأشار قره فلاح إلى أن ما يمكن فعله، الحد من انبعاثات غازات الدفيئة من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتقليل استهلاك الوقود الأحفوري، التكيف مع التغيرات المناخية من خلال تطوير البنية التحتية القادرة على تحمل التغيرات المناخية، وتحسين إدارة الموارد المائية، والزراعات المحسنة والمتكيفة مع التغير المناخي وتنويع سبل العيش، وضع موضوع التغيرات المناخية في جميع الخطط الوزارية.