«ورطة» الهدية في المناسبات.. أشخاص يقاطعون أقاربهم لعدم قدرتهم على أدائها وآخرون جابهوا واستمروا في علاقاتهم
تشرين – ياسر النعسان:
الأزمة الاقتصادية المريرة التي تمر على بلدنا انعكست سلباً على دخول الكثير من الأسر، التي تحولت إلى أسر فقيرة كأسر الموظفين وصغار الكسبة، الأمر الذي فرض أن تتخلى هذه الأسر عن عاداتها الغذائية التي كانت معتادة عليها حيث أخرجت اللحم والفروج والبيض واللبن منها، نظراً لضيق حالها، إضافة لإجراء عمليات التدوير لألبستها، وكذلك عجزها عن “مونة المكدوس” والزيتون واللبن.
وساد التقنين في أمور أخرى كثيرة، إذ اضطرت هذه الأسر للتخلي عن الكثير من علاقاتها والمناسبات الاجتماعية التي تتطلب الهدايا نظراً لضيق حالها، وهذا ما قد يسبب الكثير من الخصومات بين الأقارب والأصدقاء وخصوصاً ممن لا يتفهمون حال هذه الأسر الاقتصادي المتردي، إضافة إلى أن البعض أصبح يضطر لقطيعة رحمه من شقيقاته وعماته وخالاته و… الخ، لعدم قدرتهم على تقديم العيدية أو أي هدية رمزية في الأعياد والمناسبات، والبعض الآخر اضطر لتهنئة محبيه من دون هدايا، رغم ما في ذلك من إحراج له ولأسرته على مبدأ الرمد ولا العمى.
“تشرين” أجرت التحقيق التالي حول هدايا المناسبات وتبعات عدم تقديمها على المهدي والمهدى إليه، حيث كانت البداية مع السيد نبيل الذي أشار من جهته إلى معاناته الشديدة من مسألة الهدية التي تحولت لمشكلة في ظل وضعي الاقتصادي الصعب القاسي كوني موظفاً بحيث لا يتجاوز راتبي وراتب زوجتي الـ800ـ ألف ليرة، والأسرة كما هو معلوم تحتاج شهرياً بالحد الأدنى، لحدود الثلاثة ملايين ورغم ذلك تمر مناسبات نجاح وزواج ومرض و.. الخ، توقعنا بمشكلات اجتماعية مع الأحبة والأصدقاء لدرجة أنني أصبحت أستعيض عن زيارتهم للتهنئة بالاتصال الهاتفي تلافياً لإحراج الهدية .
مشكلة هدايا المناسبات
عامر بين من جهته أنه من صغار الكسبة وزوجته ربة منزل وبالكاد دخله يسد رمقه ورمق عياله ورغم معاناته الشديدة في هذا الجانب إلا أنه يواجه مشكلة هدايا المناسبات الاجتماعية التي لا تعد ولا تحصى، كالولادات وغيرها من المناسبات، الأمر الذي يوقعه بصراع، أولاً مع زوجته التي تعتبر أن الهدية لا مناص منها، وأننا لا يمكن أن نزور الناس لتهنئتهم بلا هدية، لدرجة أنها تأخذها حردة في بيت أهلها أحياناً كثيرة لعدم استيعابها لعجزي المادي عن تأمين الهدايا.
وهذا ما أكده جمال الذي أضاف: إنني أضطر للوقوع في الدين الذي غالباً ما أعجز عن سداده بسبب هدايا المناسبات التي أحياناً تكثر بطريقة صعبة فمن ولادات إلى نجاحات إلى زواج إلى وإلى …الخ.
ريم أشارت من جهتها إلى أنها حدت الكثير من علاقاتها مع أصدقائها والأقارب والجيران بسبب مناسباتهم وعدم القدرة على تقديم الهدايا لهم في مناسباتهم، نظراً لكونها ربة منزل وزوجها يعمل موظفاً وبالكاد يؤمن لقمة عيشنا، وهذا ما أكدته زينب التي أضافت أسرتها تعيش على راتب زوجها المتوفي وعلى عمل أبنائها الذين ما زالوا صغاراً ومع ذلك فإنها تعاني من هذا الجانب، إذ إن البعض من الأصدقاء والأقارب لا يراعون ظروفنا، الأمر الذي دعاني للحد من علاقتي بهم منعاً للإحراج الذي أنا في غنى عنه.
الصدق والوضوح
ولفت الياس من جهته إلى أنه بسبب محدودية دخله كونه وزوجته موظفين يعالج هذه المشكلة من خلال الصدق والوضوح مع الناس على مبدأ (بيّن عذرك ولا تبيّن بخلك)، بحيث إنه لا يقاطع أحداً ويزور الجميع في جميع المناسبات بلا هدايا، وفي كل مناسبة يعتذر لأصحابها عن الهدية، مشيراً إلى أنه وقع أمام خيارين إما المقاطعة، أي مقاطعة أصحاب المناسبات وإما زيارتهم وتهنئتهم مع بيان العذر المتمثل بضيق الحال، وبالتالي فعقله اختار زيارتهم على مقاطعتهم مع بيان العذر لأنه الأصلح وبالتالي فالقريب والصديق الحق المتميز هو الذي يقبل العذر ويفضله مثلي على مقاطعته.
اختصاصي نفسي: لا بد من أن يقدر الجميع ظروف بعضهم وألا يربطوا المحبة بينهم بالهدايا
تعبير رمزي
الاختصاصي الاجتماعي محمد البيك أشار من جهته إلى أن الهدية تعبير رمزي عن المحبة بين الناس، والناس بالأصل تحترم وتحب بعضها البعض بغض النظر عن الهدية هكذا يفترض وتأتي الهدية كالبهارات على الطعام، وبالتالي فلا بد من أن يقدر الجميع ظروف بعضهم البعض وألّا يربطوا المحبة بينهم بالهدايا ومقدارها على أساس كلما كبرت الهدية كبرت المحبة وكلما صغرت صغرت، وليكن شعار غير المقتدرين ورسالتهم للأحبة بيت الشعر التالي (لو أن الهدايا على قدر محبة مهديها لأهديتك الدنيا وما فيها)، وهنا يجب ألّا يتم الربط بين المحبة وبين الهدايا لأن الربط يسبب تفكك العلاقات الاجتماعية بين الأهل والأقارب والأصدقاء، وهنا تتحول الهدية لمحل للبغضاء بدل أن تكون رمزاً للمحبة والود والوئام، وبالتالي فلا بد من أن نقدر ظروف بعضنا البعضن وألّا يربط المقتدرون هداياهم بهدايا غير المقتدرين نظراً للتفاوت المادي الكبير بينهم.