«ملف تشرين».. أسعد فضة.. ذاكرة ذهبية من تاريخ الدراما العربية

تشرين- سناء هاشم:
يُجسّد الفنان القدير أسعد فضة، ذاكرةً طويلة من تاريخ الدراما السورية، فعلى مدى الـ (62) عاماً الماضية، لا يزال متأهباً على بابها المعاصر، وحارساً لخشبة مسارحها، وملهماً لعبورها من جيلٍ إلى آخر.

العقود الستة
فضة، الممثل والمخرِج السوري المخضرم، قضى عقوداً ستة مشاركاً وقائداً للعديد من النتاجات المضيئة في تاريخ الدراما السورية، مسطراً حضوره بأحرفٍ من الشغف والإخلاص والعبقرية الفنية، كأحد عمالقة الفن العربي، ومكرساً محبة الجمهور من خلال مسيرته الفنية الطويلة.

الدراما التلفزيونية
ولد الفنان أسعد فضة سنة 1938 في محافظة اللاذقية، وفور انتهائه من دراسة التمثيل عام 1962 في المعهد العالي للفنون المسرحية في جمهورية مصر العربية، بدأت مسيرة تألقه في الإخراج المسرحي التي امتدت ما بين عامي 1963 – 1981، وبعد مسيرته المسرحية الغنية، اتجه نحو احتراف التمثيل، حيث قدّم أدواراً متعددة على شاشة التلفزيون، بينها مسلسلات: “المطاردة، الدبور، رجل الساعة، النهر الكبير، أولاد بلدي، الأميرة الخضراء، أغنية البجعة، امرأة لا تعرف اليأس، أبو كامل، وضاح اليمن، العنيد، عز الدين القسام، الوصية، الرحيل إلى الوجه الآخر، الخيط الأبيض، انتقام الوردة، الفوارس، الموت القادم إلى الشرق، أبو البنات، قتل الربيع، حسيبة، طائر الأيام العجيبة، تيمورلنك، بصمات على جدار الزمن، طبول الحرية، فارس من الجنوب، حرب السنوات الأربع، الطبيبة، رحلة رجل، الوسيط، لقاء في ظلال الطاعة، الغابة، دكان الدنيا، روائع المسرح العالمي، أشجار البحيرة، هجرة القلوب إلى القلوب، البديل، برج العدالة، قلعة الفخار.. وغيرها..

الأفلام
لم تقتصر المسيرة الدرامية للفنان أسعد فضة على الدراما التلفزيونية وخشبة المسرح، إذ شارك في أفلام محلية خالدة في الذاكراة.. وتنوعت الأعمال السينمائيّة للفنان فضة ما بين التراجيدية والاجتماعية والدرامية، وقدم ثمانية أفلام سينمائية بينها: “القلعة الخامسة، حبيبتي يا حب التوت، قصة شرقية، ليالي ابن آوى، رسائل شفهية، الرابعة بتوقيت الفردوس، والطحين الأسود”..

مسيرة فنية في الذاكرة
تميز الفنان المخضرم أسعد فضة بتقديم شخصيات متنوعة ومعقدة، سواء في أعماله التاريخية أم الاجتماعية والدرامية، كما استطاع ببراعة تجسيد الشخصيات البطولية والاجتماعية، وحتى الأدوار السلبية.. حيث يتسم أسلوبه التمثيلي بالواقعية والرصانة والعمق، ما ساهم في جعله قريباً من الجمهور، مستعيناً في ذلك بقدرته على التعبير العاطفي بشكلٍ مؤثر، وبالاستناد إلى صوته الجهوري وحضوره المحوري في جميع قصصه الدرامية، ساهم في نقل متابعيه إلى حالة التأثر المديد، بما سهّل حضوره كذكريات يصعب نسيانها.. كما يتميز الفنان فضة الذي لقب بـ (العملاق) بقدرته على تجسيد الشخصيات المتنوعة، وقد ساهمت مهاراته التمثيلية في جعله واحداً من أعمدة الدراما السورية، وأثرت أعماله في جمهور واسع عبر العالم العربي.. كما حظي بسلسلةٍ من التكريمات لدوره في إثراء الفن العربي، وحصل على جائزة من مهرجان دمشق السينمائي عن دوره في فيلم (ليالي ابن آوى)، وقد تكرّم في جمهورية مصر العربية من قبل مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون وذلك عن دوره في مسلسل (العوسج).
إن تجربة فضة في الدراما السورية تعدُّ أنموذجاً يُحتذى به في التمثيل والإخلاص للفن، ما جعله أيقونةً فنية تتردد أصداء إبداعه عبر الأجيال.

دراما خالدة
مع تاريخه الفني الطويل، وإنتاجه الغزير خلال عقوده الستة ونيف مع المسرح والسينما والتلفزيون، تفرد الفنان أسعد فضة بمجموعةٍ من الأعمال الخالدة التي مازالت تداعب عواطف الجمهور حتى الآن، فيما لقطاتها مازالت تتردد في الذاكرة.. فقد لعب فضة دوراً مميزاً في مسلسل (الولادة من الخاصرة) الذي حظي بإشادة واسعة، ويتناول المسلسل قضايا الفساد والظلم الاجتماعي وتأثيرها على الأفراد والمجتمع، وفي مسلسل (إخوة التراب) الذي تناول فترة الاحتلال الفرنسي لسورية والنضال من أجل الاستقلال، كان لأسعد فضة دورٌ بارز في هذا المسلسل الذي يعدّ من أهم الأعمال الوطنية. وقد شارك فضة في مسلسل (الجوارح)، أحد أهم المسلسلات الملحمية التاريخية، وترك بصمة قوية لدى المشاهدين في عموم العالم العربي، كما تألق في المسلسلين التاريخيين: (الكواسر والبواسل) اللذين تناولا قصص الصراع والشجاعة في عصور مختلفة، كما لعب الفنان أسعد فضة دوراً مهماً في الدراما التي تستعرض قضايا اجتماعية مؤثرة تتعلق بالحياة اليومية للأفراد والمجتمع كما في مسلسل (أبناء القهر).. وكان أسعد فضة أول ممثل سوري يجسد شخصية الحارة الشامية وتقاليدها في مسلسل (أبو كامل) في بداية التسعينيات، وتابع تجسيد الشخصيات الشامية في أعمال عديدة أخرى، منها باب الحارة وأيام شامية.

مسيرة ثرّة متجددة
كما تابع المشاهدون العرب أسعد فضة في الكثير من الأعمال التاريخية ومنها: “انتقام الزباء وتيمورلنك” وكذلك الأمر في الأعمال المعاصرة الاجتماعية حيث بقيت شخصية (أبو دباك) التي جسدها في مسلسل “هجرة القلوب إلى القلوب” عام 1990 عالقة في أذهان المشاهدين، إلى جانب دراما (أبو البنات) 1995، (الخيط الأبيض وقتل الربيع 2004، تحولات 2006، رياح الخماسين وشركاء يتقاسمون الخراب عام2008)، كما كان لأسعد فضة أدوار شائقة ومميزة في كلٍّ من: أسعد الوراق 2010، وفي حضرة الغياب 2012.
أمام هذا الإنتاج المتنوع خلال حقب متعددة من تاريخ الدراما السورية والعربية، يمكن القول إنّ الفنان السوري أسعد فضة لم يكن مجرد ممثل، بل كان مدرسة في التمثيل استفادت منها أجيال جديدة من الفنانين، كما لم يقتصر تأثيره على أداء الأدوار فقط، بل امتد إلى الإخراج والتدريب، ما ساهم في رفع مستوى الفن الدرامي في سورية والعالم العربي.. وإلى جانب موهبته الفنية، يعرف أسعد فضة بشخصيته الودودة والمتواضعة، ما جعله محبوبًا بين جمهوره، وكان دائماً قريباً من الناس، ينقل من خلال أعماله معاناتهم وآمالهم، ما جعله رمزاً للأصالة والالتزام الفني.
وعلى الرغم من تطور أدوات وتقنيات الدراما ومنصات العرض، سيظل فضة واحداً من أعظم الممثلين الذين أثروا الفن السوري والعربي، وأثَّروا فيه، بأعماله المتنوعة وموهبته الفريدة التي تجعل منه عملاقاً في سماء الفن، وقدوة للأجيال القادمة من الفنانين.

أقرأ أيضاً:

«ملف تشرين».. مسلسل “فرصة أخيرة”.. آخر أعمال الكبير أسعد فضة مسلسل يرسم واقعاً جديداً

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار