ماذا بعد ورشة العمل التي أقيمت قبل أيام حول المتغيرات المناخية.. هل تقودنا من الإنذار المبكر إلى العمل المبكر؟
تشرين – محمد فرحة:
يصعب جزافاً اعتبار المتغيرات المناخية دائماً سبباً جوهرياً بانتكاسة زراعتنا، لكن في اللحظة نفسها يصعب إطلاقاً اعتبارها بريئة بالمطلق.
نعم تشكل المتغيرات المناخية تهديداً لأي إنتاج زراعي غذائي، لكن في كل دول العالم تم ويتم استنباط أصناف بذرية مقاومة وتتحمل هذا المناخ، بمعنى أوضح تعطي إنتاجاً وسطياً ٥٠% مما هو متوقع، وأحياناً أكثر في حال توافرت للمحصول أسس ومقومات نجاحه، فليس من المعقول والمنطقي أن يخصص الدونم الواحد بـ/ ٥/ كغ من الأسمدة وحاجته الفعلية لا تقل عن ١٥ – ٢٥ كيلو غراماً. هذا أولاً، وثانياً مازالت الإشكالية التي يدور الحديث عنها وحولها تتمحور في نوعية البذار، فمنذ سنوات ونحن نسمع ونقرأ تصريحات بالوصول إلى نتائج مبهرة لجهة تحسين سلالات بذرية تعطي إنتاجاً مميزاً بوحدة المساحة، وتقاوم المناخ وتتلاءم مع البيئة المحيطة، ورغم ذلك لم يرَ مزارعونا أي صورة من هذه النتائج.
وهنا يصبح مهماً أن يحاول كل من يقدر على قراءة ما يجري، كأنه كتب على سطح السحب العابرة، أو فوق كتل من الضباب، أما ألا يراه سوى المعنيين فهذا يفتقد الدقة، إذ خير دليل على أي واقعة هو البرهان.
سورية بلد زراعي بامتياز، وتراجع الإنتاج بشكل كبير وملحوظ مقلق قد يجوز تبريره لسنة، وسنتين، أو حتى أربع سنوات، أما أن يبقى المعنيون يجعلون من الظروف الجوية شمّاعة لتعليق تقصيرهم، فهذا لم يعد مجدياً ومقنعاً.
لكن ما يراه مدير زراعة حماة أشرف باكير مغاير لكل ذلك، حيث أوضح أن الإنتاج الزراعي مثل العربة يجيء وراءها القطار، وليس قبلها، ففي كل عام تكون التوقعات الإنتاجية الزراعية بإنتاج وفير يكفي حاجة القطر، ونتحدث هنا عن محصول القمح، لنفاجأ بالنتائج العكسية، وهنا لابد من دراسة الأسباب الحقيقية بكل دقة والوقوف عندها، فالمسألة قد تصبح لاحقاً أخطر من ذلك، ولعل ما يقوم به بعض المزارعين بداية إشكال آخر مضاعف، وهو المتمثل بعدم زراعة محاصيل استراتيجية نعوّل عليها الكثير لأمننا الغذائي، كاشفاً أن هناك العديد من الدول كنّا نصدر إليها القمح، فأصبح اليوم لديها الاكتفاء الذاتي، وبعضها يصدِّر.
ولدى سؤال “تشرين”: هل القصد أننا نعيش واقعاً زراعياً مضطرباً يموج بالانتكاسات والتراجع، رغم أننا نرى إقامة العديد من ورشات العمل والملتقيات من محافظة إلى أخرى، والشاهد على قولنا هذا أن كل المحاصيل الزراعية أصبحت ساحة تتلاقى فيها كل عناصر الخيبة؟
أجاب مدير زراعة حماة: ليس بالمعنى الحرفي تماماً، لكن إذا كانت هذه مؤشرات، فقد تكون غداً أكبر من ذلك.. قد تكون نكسات ونحن نسعى إلى الحدّ منها بشتى الوسائل، فوزارة الزراعة لم تهدأ في سبيل رفع مستوى الإنتاج وزيادته، وتسعى جاهدة إلى توفير ما يمكن توفيره، بدليل ورشة العمل التي أقيمت منذ أيام في قاعة رضا سعيد – جامعة دمشق لمناقشة ودراسة المتغيرات المناخية وأثرها في الزراعة وفي كل شيء.
وتقاطعه “تشرين”: ومع كل ذلك مازال المعنيون يتساءلون لماذا يحدث هذا لقطاعنا الزراعي، رغم أنه لا يحتاج إلى أكثر من توفير مستلزماته بما هو كافٍ، فقط يحتاج إلى تقييم السنوات الخمس الماضية واتخاذ رؤية مبكرة لاحتمالات المستقبل على اتساع المساحات الزراعية.. فالأفكار التي سمعناها ونسمعها مراراً من المعنيين ذهبت أدراج الرياح، في الوقت الذي يجب أن تتكامل فيه مع البرامج العلمية الواضحة وتعرض على المزارعين، فجلّ ما يتم طرحه يغيب عنه الفلاحون الحقيقيون.
يجيب باكير عن ذلك: لا ننسى أن الظروف الذي نعيشها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً من الحصار والحرب، كانت سبباً جوهرياً بكل ما جرى، ليس لقطاعنا الزراعي فحسب، إنما لمختلف قطاعاتنا الاقتصادية، وقد آن الأوان لتجاوزها وعودة اقتصادنا إلى متانته وقوته وانتعاشه بعد سنوات من انكماشه.
بالمختصر المفيد: في هذه الأجواء المتعددة الأشكال
والألوان، وكل يراها بمنظوره الخاص، اختلط فيها الجوهر مع المظهر، وطفا على السطح منظر الاستعراضات والاجتماعات والتصريحات على حساب الجوهر، فكلنا يأمل بإنتاج زراعي لافت وكافٍ ومزدهر، وينعش اقتصادنا ويعززه، ويعيد مجد الماضي إنتاجياً، وهذا لا يكون إلا بتوفير المستلزمات الكافية لكل محصول، وقد خصصت وزارة الزراعة كميات من المازوت للقطاع الزراعي، لكن لو أجرينا عملية قسمة بسيطة على ما ستتم زراعته من القمح وفقاً للخطة الملحوظة، وغيره من المحاصيل الأخرى، فلن نرَ شيئاً مغايراً للمواسم الماضية، وقد تبقى مخصصات الدونم بين الـ /٥ و ٦/ ليترات للدونم الواحد، ولم يكن الوضع أحسن حالاً فيما يتعلق بالأسمدة وقس على ذلك.