العزّ للموز
تغيب الخطط الإستراتيجية عن مواسمنا الزراعية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم سنصل حتماً إلى ندرة بإنتاج الخضار والحمضيات في محافظة اشتهرت بزراعتها المحمية وأشجار الحمضيات، وشكلت على مدى عقود السلة الغذائية لسورية، ما سينعكس على أسعارها لتنضم إلى قائمة محرّمات ذوي الدخل المحدود.
فمؤخراً عمل الكثير من المزارعين على إزالة البيوت المحمية، وبعضهم قلع أشجار الحمضيات، وزرعوا مكانها أشجار الموز وما زال التوجه مستمراً نحو زراعة الموز، وتقديرات مكتب الحمضيات تثبت تراجع الإنتاج عن الموسم الماضي بمقدار 18 ٪.
في البداية كانت المساحات المزروعة بالموز ضمن المقبول، أما اليوم فتوسعت هذه الظاهرة بشكل كبير وخطير، فأينما جُلت بنظرك ترى أشجار الموز المزروعة حديثاً وعلى مدّ النظر.
ونحن هنا لسنا ضد المزارع، فمن حقه أن يتوجه للزراعة التي تؤمن له مصدر دخل وربح يعيش منه بعد النكبات الكبيرة التي وقع بها، وخاصة من الناحية التسويقية للحمضيات، وقد رأينا أطناناً من الحمضيات مرمية على جوانب الطرقات خلال المواسم السابقة بسبب انخفاض أسعارها، يضاف إلى هذا ارتفاع تكاليف الإنتاج من ري وسماد ونقل وغيرها، جعلت من هذه الزراعة همّاً على أصحابها.
هذا ينسحب على مزارعي البيوت المحمية الذين يعانون، وأكثر من أي وقت مضى، من الارتفاع الكبير لتكاليف الإنتاج بكافة أشكاله، عدا عما أصابهم من كوارث طبيعية أتت على إنتاجهم.
قد نبرر للمزارع توجهه نحو زراعة الموز بدلاً من الحمضيات والزراعة المحمية، فهي مربحة وتكاليف إنتاجها لا تذكر بعد النكبات المتلاحقة التي مني بها ، ولكننا لا نغفر لوزارة الزراعة غيابها عن المشهد الزراعي وما يحدث، وعليها أن تكون أكثر واقعية وجدية وتحمي الإنتاج الزراعي بجميع أنواعه، وتوفر متطلباته وفي الوقت المناسب، من سماد ومازوت زراعي وبذار جيدة، ومياه للري، والأهم أسواق لتصريف الإنتاج.
فعندما تتوافر الظروف الصحية للإنتاج الزراعي، يتمسك المزارع بزراعته ولا يضطر لاستبدالها بأي نوع آخر، بل تكون الزراعات الأخرى رديفاً لزراعته الأساسية وليست بديلاً.
فهل نصحو من غفوتنا ونلحق بقطار التنمية الزراعية الحقيقية قبل فوات الأوان؟، ونتعلم من أخطاء غيرنا ولا نصل إلى ما وصل إليه السودان ” كما قرأنا ” من إتلاف نحو نصف مليون طن من المانجا وتقديمها علفاً للحيوانات لعدم القدرة على تسويقها. فهل نتعظ؟