عقود طويلة مرت من عمر القطاع العام تحكمه مشكلات أصبحت أكثر من مزمنة لم تنفع معها كل الأدوية لا الوقائي منها ولا العلاجي/ ولا حتى عمليات الاستئصال والتجميل لكثير منها، لاسيما فيما يتعلق بالجانب المتعلق بالوظيفة العامة التي تدهورت صحتها إلى مستويات يصعب فيها الإستجابة إلى أي علاج….!
علماً أن هناك محاولات كثيرة لإنقاذ ما تبقى خلال مراحل مختلفة، لكنها لم تنفع بفعل أداة المعالجة، والتي تحمل في جوهرها عموميات الحل التي يختبئ خلفها غالبية أهل القرار في الإدارة…!
الأمر الذي يثير الاستغراب من أهل الإدارة، ولغتهم التي يتحدثون بها متعلقة بقضايا القطاع العام، وخاصة المرتبطة بهموم المواطن يغلفها طابع العموم دون الاقتراب إلى أصل الحل، سواء الأمر متعلق في قضايا الإنتاج أم الخدمات، وحتى الإشارة إلى مواقع الخلل والفساد، التي تظهر في تفاصيل دقيقة من العمل على اختلافها، وهذا يجعلنا أمام معضلة كبيرة من الأسئلة، الإجابة عليها تضيع في متاهات /لغة العموميات/ وهذه مشكلة تعترض العمل اليومي في معظم مفاصل العمل، إلى جانب مشكلات أخطر يختبئ خلفها الكثير من الإدارات على اختلاف مستوياتها، بداعي الهروب والخوف من المسؤولية المبطنة بمصالح شخصية تفرض أجنحتها على بساط الحل..!
والمدهش أنه حتى هذا التاريخ مازلنا نمارس العمل الإداري وفق مفاهيمه الضيقة، التي تضعف عملية الأداء وانعكاسها بصورة سلبية على الإنتاج الكلي، والأخطر إن مفهوم الصلاحيات مازال مبهماً لا نستطيع الخروج من منطق المحسوبيات والارتباطات التي تحكمها الأنا الوظيفية المتسلطة بفعل مصلحة الاختيار لهذه القيادات، وما يحمله من استفسارات حول طبيعة التعيين، والثقافة التي ارتبطت بها، والتي بات يعرفها الجميع، إلى أن أصبحت عرفاً اجتماعياً هو الغالب حتى ولو كان الإختيار على أساس الخبرة والمعرفة والكفاءة والنزاهة، وكل ذلك من مفاعيل العمل بلغة (العموميات / وعدم العمل بلغة المفهوم/العلمي والعملي/ في معظم مفاصل العمل لدى الجهات العامة، وهذه مشكلة كانت موجودة في سالف العقود الماضية،لكنها ترعرعت ونمت أكثر في ظل الظروف الحالية التي يمر بها بلدنا، من حرب كونية وحصار إقتصادي ظالم،وما نتج عنها من تداعيات سلبية على واقع العمل والأداء الإداري والاقتصادي، وصولاً إلى معيشة الناس التي ارهقتها لغة العموميات في الحلول، ومع الأسف الشديد أن ظروف الأزمة كانت أرضاً خصبة لنمو هذا الواقع، والذي نتحسس مفاعيله على مدار الساعة ليس على مستوى معيشة الناس فحسب، بل في القطاعات المنتجة وهي الحالة الأخطر لحساسيتها، كونها الداعمة للحالة الاقتصادية العامة….!
وهذه مشكلة حجمها كبير، تحتاج لأرض خصبة ينبت فيها الحل المناسب، مدعوماً بقوة القرار الإداري الذي يحقق شروط المصلحة العامة، وتغيير جملة المفاهيم المغلوطة حول الصلاحيات، والابتعاد عن شخصنة الوظيفة، وتكريس مفهوم المنفعة العامة التي ذابت في تفاصيل العمل اليومي…!
والسؤال هنا هل أرضية العمل الإداري اليوم/ خصبة/ صالحة لنمو إدارات تحمل كل المفاهيم التي تقود إلى نجاح العملية الإدارية في القطاع العام إلى مستوى متقدم للحالة التطويرية التي ينشدها الجميع…؟!
سؤال الإجابة عليه تدخلنا في متاهات يصعب الخروج منها، لأن الإدارات اليوم في أدنى مستوياتها، وما كتبناه لم يكن الأخير، بل كتبنا الكثير في سابقات الأيام، لكن دون نتيجة تثمر، والإدارة مستمرة في تراجع الأداء، والأمثلة كثيرة…!
issa.samy68@gmail.com