«ملف تشرين».. أهم بوابة للخروج من أزمة نقل الركاب مغلقة بذرائع استفزازية.. النقل السككي يدور في دوامة أزمة مركبة

تشرين- رحاب الإبراهيم:
منذ مدة اتصلت صديقتي من اللاذقية للسؤال عن إمكانية الذهاب إلى مدينة حلب عبر القطار، لكنها أصيبت بخيبة أمل عند إخبارها بتعذر هذا الخيار، الذي يعد مطلباً جماعياً لكل المواطنين من ذوي الدخل المحدود، بغية تخفيف تكاليف النقل المرهقة، ما يتوجب العمل بكل الطاقات الممكنة لإعادة شرايين الحياة إلى القطاع السككي الحيوي بعد تقطع أوصاله تحت وطأة الحرب والحصار، وهذا يقع على عاتق وزارة النقل، التي يفترض أن تخصص تمويلاً كافياً لتأهيل بنيته التحتية وتأمين كامل احتياجاته قدر الإمكان لتوضع خطوط القطارات في الخدمة وتسهيل نقل الركاب والبضائع.
مواطنون في حلب طالبوا عبر “تشرين” بتشغيل خدمة نقل الركاب عبر القطارات إلى المحافظات الأخرى، فيقول انطوان برغل: “تكلفة النقل مع عائلتي إلى دمشق ومدن الساحل أضحت مرهقة بعد ارتفاع أسعارها مؤخراً، وأعتقد أن التنقل بالقطار أرخص وأقل مدة، حيث كنت أسافر بهذه الوسيلة قبل الحرب”، مطالباً بإعادة تشغيل القطارات إلى المدن الرئيسية الآمنة بغية تخفيف التكلفة على المواطنين.
وتؤيده السيدة الأربعينية نهى طرقجي، وخاصة أنها تسمع صوت القطار بين الحين والآخر عند مروره في مدينة حلب، متسائلة ما هي العقبات التي تحول دون تشغيل القطارات وخاصة أنها تحقق فوائد للاقتصاد والمواطن بالوقت ذاته، مشيرة إلى أنه عند تسهيل التنقل بهذه الوسيلة سيخفف ذلك من أزمة النقل ويريح وترحم المواطن قليلاً مع إلزام شركات النقل بتقديم خدمة جيدة أقله لناحية التقيد بالوقت والتسعيرة.

تسرب الكوادر الخبيرة 
يعد قطاع النقل السككي أحد أهم القطاعات الحيوية، لكنه تضرر حاله كحال أغلب القطاعات بسبب الحرب وتداعياتها، لكن فور إعادة الأمان إلى المدن والمناطق بوشر بإعادة بنيته التحتية المدمرة، وتشغيل بعض خطوط القطارات، إلا أن تشغيلها بالكامل يتطلب سلة إجراءات وقرارات لتجاوز الصعوبات المعرقلة، وهنا يتحدث الخبير المهندس محمد البيك، التي خسرت المؤسسة العامة للسكك الحديدية كفاءته بسبب انتهاء مساره الوظيفي حسب ضوابط وزارة التنمية الإدارية، عن أهمية هذا القطاع وضرورة دعمه بطريقة تضمن نقل الركاب بأسعار معقولة، فهذه الخدمة غالباً ما تكون مدعومة من الدولة، إضافة إلى نقل البضائع، ما ينعكس على تخفيض المنتجات بشكلها النهائي، مشيراً إلى أن تحقيق هذا الهدف يحول دون إنجازه معوقات عديدة، بعد تضرره الكبير خلال سنوات الحرب والحصار.

خبير في السكك الحديدية: ضرورة معالجة نقص الكوادر الفنية والإدارية ومنح التمويل الكافي 

ويبيّن المهندس البيك أن أبرز هذه الصعوبات تسرب الكوادر الإدارية والفنية الخبيرة لأسباب عديدة منها الانتهاء المسار الوظيفي حسب روائز وزارة التنمية الإدارية رغم الحاجة لهذه الخبرات وقدرتها على مواصلة الإنتاج، وأيضاً الرواتب الضعيفة، التي جعلت كثير من الموظفين يفكرون بالاستقالة، ما يتوجب معالجة النقص الواضح في هذه الخبرات ومحاولة ترمميها والحفاظ على الكوادر الفنية والإدارية المتبقية بمنحها رواتب جيدة وإعادة التعاقد مع الكفاءات الخبيرة بعد انتهاء مسارها الوظيفي.

نقص التمويل 
ويرى المهندس البيك أن مشكلة نقص التمويل وعدم تخصيص ميزانية كافية لإعادة تأهيل قطاع السكك الحديدية يؤثر سلباً في النهوض بهذا المجال الاستراتيجي، ما يتوجب منحها الدعم المادي الكافي لشراء المعدات اللازمة كالصهاريج والشاحنات والقاطرات، التي لا تمتلك المؤسسة سوى عدد قليل منها لا يكفي لتغطية كل الخطوط، كما أن المؤسسة تواجه صعوبة باستيراد القطع التبديلية اللازمة بسبب نقص التمويل والحصار.
بالتالي معالجة واقع السكك الحديدية وتنشيطها لتخدم المواطنين كما يجب، ونقل البضائع وتحقيق إيرادات جيدة، يستلزم منحها التمويل الكافي لتعويض النقص والفاقد من المعدات والآليات وقطع التبديل حسب المهندس البيك، الذي شدد على ضرورة إعادة مراكز وورش الإصلاح في منطقة جبرين إلى الخدمة، فمن دون إنجاز هذه الخطوة يصعب القيام بعمليات التأهيل والإصلاح كما يجب.

أولويات أساسية 
ووصف هذه النقاط الثلاث بالأولويات التي يجب معالجتها وإيجاد حلول عاجلة بغية تأهيل كامل الخطوط الحديدية وتطويرها، ما يسهم بنقل الركاب والبضائع بأسعار معقولة، لكن رغم كل هذه المعوقات استطاعت المؤسسة بجهود كوادرها الوطنية وخبراتهم إخراجها من نطاق الخسارة إلى الربح كما يؤكد الخبير المهندس البيك.

الأكثر تضرراً
مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية الدكتور مضر الأعرج أكد أهمية قطاع الخطوط الحديدية الاستراتيجي، الاقتصادية والخدمية عرضها للاستهداف المباشر من المجموعات الإرهابية وداعميها بهدف ضرب الاقتصاد المحلي، فالمؤسسة العامة للخطوط الحديدية كانت من أكثر القطاعات تضرراً، بعد تدمير قرابة 80% من بنيتها التحتية وسرقة المستودعات والمخازن وتفكيك وسرقة الأدوات المحركة والمتحركة.

مدير المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية: الحرب والحصار الاقتصادي أثّرا على تأهيل وإصلاح البنية التحتية واستيراد قطع التبديل اللازمة 

ويتابع بالقول: سارعت المؤسسة إلى إصلاح وإعادة تأهيل المحاور والتفرعات السككية في المناطق التي حررها الجيش العربي السوري ليصبح الطول الإجمالي حالياً 1052 كم فقط من 2552 كم، أي بنسبة 41 % فقط من كامل الشبكة، مع مواصلة صيانة وتأهيل خطوطها والبنى التحتية.
واعتبر الدكتور الأعرج أن استمرار الحرب بشكلها الاقتصادي وتطبيق العقوبات الاقتصادية تسبب في صعوبة تأمين القطع التبديلية والآليات اللازمة لإعادة تأهيل البنى التحتية، لكن المؤسسة بكوادرها الوطنية وخبراتها أوجدت حلولاً وفق الإمكانات المتاحة لإعادة إحياء هذا القطاع الهام بالتدريج.

تخفيف التكلفة 
وحول إجراءات المؤسسة لتأهيل قطاع السكك الحديدية لنقل الركاب والبضائع بغية تخفيف التكاليف والأسعار على المواطنين، أكد الأعرج أن المؤسسة تتابع تأهيل الخطوط ومرافقها بغية تسير القطارات بشكل آمن ومستقر كخط حلب – دمشق، الذي يستثمر حالياً لنقل البضائع وخط طرطوس- اللاذقية الذي ينقل البضائع، والركاب بواقع 6 رحلات يومياً، وخط طرطوس وحمص – مهين- الشرقية، المستخدم لنقل البضائع، وخط حلب- جبرين- تل بلاط يستخدم لنقل البضائع، ونقل الركاب من المدينة إلى جبرين وبالعكس بواقع أربع رحلات لتلبية نقل المواطنين وخاصة الطلاب والموظفين، إضافة إلى تلبية كافة طلبات النقل وخاصة نقل المواد الاستراتيجية من الفيول والحبوب والإحضارات الحصوية والفوسفات، والحديد والزيوت وغيرها.

إعادة مراكز وروش الإصلاح في منطقة جبرين للخدمة 

مشاريع قادمة 
ولفت الدكتور الأعرج إلى أن المؤسسة وضعت رؤيتها لتنفيذ مشاريعها وفق الإمكانات والاعتمادات المتاحة، وقد اقتصرت حالياً على تنفيذ المشاريع التي تخدم عملية النقل وتحقق زيادة في الإيرادات واستكمال تنفيذ المشاريع المباشرة بها سابقاً وأهمها تجهيز 7 قاطرات بالاعتماد على الكوادر الفنية الوطنية.
أما في مجال البنية التحتية للخطوط الحديدية تولي المؤسسة حسب مديرها الأهمية القصوى لمشروع إعادة تأهيل وتطوير محور مرفأ طرطوس – حمص – مهين- الشرقية- مناجم الفوسفات، ومشروع دراسة وإنشاء خط حديدي جديد على مقطع الشرقية- تدمر- البوكمال للوصل مع العراق،  كما تتم متابعة تنفيذ الصيانات اللازمة للخطوط الحديدية العاملة لرفع السوية الفنية والحفاظ على أمان سير القطارات، واستكمال تنفيذ أعمال تفريعة الخط الحديدي للمنطقة الصناعية والمرفأ الجاف بحسياء، وإعادة تشغيل خط الفوسفات من مناجم الشرقية إلى مرفأ طرطوس.
ويؤكد أن المؤسسة بسبب جهود كوادرها المتواصلة حققت إيرادات مكنها من الانتقال من الخسارة إلى الربح، وهذا سينعكس على تطوير خدماتها وإعادة تأهيل خطوط الحديدية إلى الخدمة بالتدريج.
ت- صهيب عمراية

أقرأ أيضاً:

 

«ملف تشرين».. أكثر وسائل النقل توفيراً و أماناً و موثوقية لنقل الركاب.. القطارات ليست ترفاً بل حاجة ماسة في زمن الأزمات..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار