عسكرة المنطقة ومساعي «الاحتواء» الزائف.. بلينكن في جولة جديدة لتوسيع الصراع أم ضبطه؟.. كيان الاحتلال بمواجهة الحرب النفسية كعامل ردع إضافي يكبله في الزمان والمكان
تشرين- هبا علي أحمد:
تسابق الولايات المتحدة الأميركية الزمن لـ«احتواء» الرد المرتقب من إيران والمقاومة اللبنانية/ حزب الله، وسط غموض للأسبوع الثاني على التوالي حول زمانه ومكانه وحجمه، ما يزيد من حال المخاوف المرتبطة بتداعيات الرد على كيان الاحتلال الإسرائيلي وعلى المكانة الأميركية عالمياً، وأيضاً وسط تضارب الأنباء والمعلومات إذا ما كانت الردود مُفردة أو مشتركة، والأخطر على واشنطن لناحية رد الحزب أنها باتت تدرك وعلى يقين بأنه آتٍ لا محالة ولا يرتبط بتسويات ومواعيد، بل يرتبط بالميدان فقط، وهو منفصل عن أي معطيات قد تقدمها مفاوضات الخميس المقبل، لذلك تطرق واشنطن الباب التركي والحلفاء الآخرين، مُحيدة كل الخلافات مع أنقرة جانباً، لاستجداء إيران بعدم الرد أو أن يكون الرد بحدوده الدنيا، كُرمى حماية «كيانها» ولا يهم بعدها إن استمرت الإبادة الجماعية في غزة أم لا، وهي فعلياً مستمرة على وقع التصعيد والاحتواء في آن، مع زيادة الاستفزازات الصهيونية للفلسطينيين، وأيّما تكون تصرفات الكيان، المهم ألا ترد قوى المقاومة.
واشنطن تحتوي «كيانها»
وعلى ما يبدو أن كل الجهود التي بذلتها واشنطن طوال الفترة الماضي لم تُجدِ نفعاً، ولم تستطع تغيير الموقف الإيراني، وعليه رُبما تكون تركيا التي تطرق بابها واشنطن آخر المحاولات لـ«احتواء كيانها وحمايتها»، وأفادت وسائل إعلام غربية بأن الولايات المتحدة طالبت جميع حلفائها بمحاولة إقناع طهران بتخفيف التوترات في الشرق الأوسط، وذكرت الوسائل نقلاً عن السفير الأميركي في أنقرة جيف فليك أن بلاده طالبت جميع الحلفاء، بما في ذلك تركيا، التي تحتفظ بعلاقات مع إيران، بإقناع طهران بتخفيف التوترات في الشرق الأوسط، قائلاً: نطلب من جميع حلفائنا الذين لديهم أي علاقات مع إيران بإقناعها بالحاجة إلى وقف التصعيد، بما في ذلك تركيا.
تسابق واشنطن الزمن لـ«احتواء» الرد المرتقب وسط غموض للأسبوع الثاني حول زمانه ومكانه وحجمه
يتزامن ذلك، مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، وقال موقع «أكسيوس»: بلينكن سيتوجه مساء اليوم الثلاثاء إلى الشرق الأوسط، في جولة تشمل قطر ومصر و«إسرائيل»، لكنها غير مؤكدة بشكل نهائي، كما قالت «يديعوت أحرونوت»: وزير الخارجية الأميركي سيصل إلى «إسرائيل» مساء اليوم في جولة شرق أوسطية تشمل قطر ومصر.
وباعتبار أن الحديث حالياً يدور حول التصعيد أو الاحتواء، الحرب الشاملة أو المحدودة، فإن الخيارات باتت محدودة جداً وضيقة جداً وحاسمة جداً، لاسيما أن مؤشرات مفاوضات الخميس المقبل معروفة حتى قبل أن تجري، إذ يواصل رئيس وزراء كيان الاحتلال المماطلة والمناورة، مع وضوح موقف المقاومة الفلسطينية التي ترفض البحث في شروط جديدة بعدما قدمت مطالبها وشروطها في تموز الماضي، وعليه ستكون مهمة بلينكن شاقة ومختلفة عن سابقاتها، إلّا أنه لا يمكن التنبؤ بما يحمله معه إلّا بعد انتهاء الزيارة ومراقبة تحركات الكيان ومن ثم البناء عليها، مع التأكيد أن عامل التفجير وارد في أي لحظة، فمساعي الاحتواء زائفة في ظل مسعى واشنطن المُبطن لتوسيع دائرة الصراع مع عسكرة المنطقة على نحوِ غير مسبوق.
الرد الإيراني الدبلوماسي/السياسي في هذا السياق جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيراني، ناصر كنعاني، الذي قال: لا نطلب الإذن من أحد باستخدام حقوقنا المعترف بها، مشدداً على أن “إيران مصممة على الدفاع عن سيادتها وأمنها القومي والمساعدة في إرساء الاستقرار المستدام في المنطقة، مضيفاً: الغرب يطلب منا بوقاحة عدم القيام بأي عمل انتقامي ضد «إسرائيل»، في إشارة إلى البيان الأوروبي- الأميركي المشترك، الذي دعا طهران إلى الامتناع عن مهاجمة «إسرائيل».
حرب أهلية
كل تحركات واشنطن لم تستطع أن تُرمم صورة الردع التي أوجدتها إيران ومعها حزب الله على نحو خاص بعد الاغتيالات، وباتت الحرب النفسية تتصدر العناوين التي تُشير إلى أن حال الترقب التي يعيشها الكيان رُبما أقسى من «الرد» ذاته، وما أفرزته من أضرار اقتصادية، وهذا في حال الانتظار فقط، الذي أصبح ضمن معادلات الردع الجديدة، إذ أجمعت وسائل إعلام غربية على أن إيران تخوض حرباً نفسية ضد «إسرائيل» بشأن ردها المنتظر، متعمدةً الصمت الكامل فيما يتعلق بتوقيت الرد وكيفيته، ومبقيةً قدرات «إسرائيل» العسكرية والأمنية واللوجستية في حافة الهاوية، مع حرمان المستوطنين من أي شعور بالهدوء، مشيرة إلى أن انتظار الموت أصعب من الموت نفسه وأن «إسرائيل» أمام معضلة صعبة، في حين خفضت وكالة «فيتش» التصنيف الائتماني، لـ«إسرائيل» من «A+ إلى A» مع نظرة مستقبلية سلبية، وأبقت على توقعات سلبية بشأن الائتمان في ظل استمرار الصراع العسكري الذي يؤثر في المالية العامة لـ«إسرائيل».
عامل التفجير وارد في أي لحظة فمساعي «الاحتواء» زائفة في ظل مسعى واشنطن المُبطن لتوسيع دائرة الصراع مع عسكرة المنطقة على نحوِ غير مسبوق
وقالت «فيتش»: إن الخسائر البشرية، والإنفاق العسكري الإضافي الكبير، وتدمير البنية الأساسية، والأضرار المستمرة للنشاط الاقتصادي والاستثمار، كلها قد تؤدي إلى تدهور في مقاييس الائتمان، وأضافت: إن التوترات في المنطقة لا تزال مرتفعة، متوقعة أن يصل عجز الموازنة في «إسرائيل» إلى 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من 4.1% في عام 2023، وأن يظل الدين أعلى من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في الأمد المتوسط.
ليس هذا فحسب، بل يُتداول في النقاشات داخل كيان العدو التحذير من حرب أهلية، في ظل احتدام الخلاف بين نتنياهو ووزير«الأمن» يوآف غالانت، حول ضرورة التوصل إلى صفقة لإنقاذ الأسرى كما يرى غالات في ظل تعنت نتنياهو، وأكد عضو «الكنيست الإسرائيلي»، وأحد زعماء المعارضة، بيني غانتس، أن نتنياهو لن يكون مثل مناحيم بيغن، الذي قال: لا للحرب الأهلية في أصعب لحظاته، ولن يضحّي بحكومته من أجل حماية الإسرائيليين، ولن يفعل ما هو ضروري من أجل منع الحرب الأهلية، مضيفاً: إذا لم نعد الى رشدنا فستكون هنا حرب أهلية.. ممنوع حجب الحقيقة، مؤكداً أن مقابل الجنود الذين يقاتلون منذ الـ7 من تشرين الأول، هناك قيادة تقسم الشعب، وتسمم البئر التي يشرب منها الجميع.
التهديد الدائم
تتزايد التحدّيات في وجه كيان الاحتلال رغم حالة التحشيد والعسكرة التي تشهدها المنطقة، لكن يبقى القول الفصل للميدان وللمقاومة في كل الميادين، ويبقى حزب الله التهديد الأكبر، وأكدت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية أنّ الصراع في لبنان قد يتحول من حرب محدودة إلى صراع شامل، لافتة إلى أنه إذا شنت «إسرائيل» حرباً شاملة، فستكون معركةً صعبةً عليها ومدمرةً لها، وليس فقط للبنان، مشيرة إلى أنه بعد توقف المدافع عن إطلاق النار، في هذه الحرب الموسعة، ستجد «إسرائيل» أن صراعها مع حزب الله لم يُحَلَّ، وأنها لم تكسب من هذا الصراع إلا القليل على المستوى الاستراتيجي، حتى لو انتصرت عسكرياً، لافتةً إلى أن من الأفضل لها أن تحاول تعزيز الردع، ولو كان ذلك يعني استمرار التهديد الذي يشكله حزب الله في الظهور.
واستنتجت المجلة أنّ أي حرب واسعة يرجّح أن تكون محدودة المدّة، الأمر الذي من شأنه أن يمكّن حزب الله من الصمود في وجه العاصفة، مضيفة: حزب الله قادر أيضاً على إطالة أمد الحرب، مستفيداً من أنّ لبنان أكبر كثيراً من غزة، وأنّ «إسرائيل» لا تستطيع ببساطة أن تدفع قواتها إلى داخل البلد بأكمله، في فترة قصيرة من الزمن، ومن الناحية الواقعية، فإن أفضل ما تستطيع «إسرائيل» أن تفعله، حسب المجلة، هو إعادة احتلال أجزاء من جنوب لبنان، كما فعلت بين عامي 1982 و2000. وذكّرت المجلة بأنه خلال تلك الفترة كانت تلحق بـ«إسرائيل»خسائر ثابتة من جراء الهجمات التي تعرّضت لها، الأمر الذي دفعها في نهاية المطاف إلى الانسحاب.
إيران تخوض حرباً نفسية ضد «إسرائيل» بشأن الرد متعمدةً الصمت الكامل فيما يتعلق بالتوقيت ومُبقيةً قدرات الكيان على حافة الهاوية
وختمت المجلة: من الضروري أن تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الضغط على «إسرائيل» لتجنب الحرب الشاملة التي قد تكون مكلفة وغير منتجة، وإلا فإن مشكلة «إسرائيل» مع الرأي العام العالمي ستتفاقم، وستواجه موجة أخرى من الانتقادات الدولية والأميركية، إذا ما عُدَّت المعتديةَ في صراع موسع مع لبنان.
استفزازات
وفي سياق الاستفزازات الصهيونية، وبالتزامن مع عدوان الاحتلال على غزة والضفة الغربية، اقتحم مئات المستوطنين، بينهم وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى، وذلك بحماية من شرطة الاحتلال.
وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس: إنّ أكثر من ألفي مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى منذ الصباح، فيما يسمى ذكرى «خراب الهيكل»، لافتة إلى قيام الاحتلال بإغلاق باب المغاربة.
واقتحم بن غفير المسجد الأقصى وهو يغني، في محاولة استفزازية جديدة، وقام المستوطنون برفع «علم» الكيان داخل المسجد الأقصى عند باب السلسلة، وتنفيذ جولات استفزازية داخل المسجد المبارك.
وأثناء الاقتحام، عرقلت قوات الاحتلال دخول المصلين الفلسطينيين إلى باحات المسجد الأقصى، ونشرت قوات كبيرة على أبوابه من أجل تسهيل عمليات اقتحام المستوطنين.
وحوّلت شرطة الاحتلال البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية، ونشرت المئات من عناصرها على مسافات متقاربة، خاصة عند بوابات المسجد الأقصى، وشددت إجراءاتها العسكرية عند أبوابه وأبواب البلدة القديمة.