بين حسابات الحقل والبيدر .. هل يتحقق حلم المزارعين بإنتاج وفير من الزيتون هذا الموسم؟

درعا – وليد الزعبي:

أينما تنقلت في محافظة درعا لا يمكن أن يغيب عن ناظريك مشهد أشجار الزيتون، فهي تترامى ضمن مساحات واسعة من الحقول، كما تحوز عليها معظم الحدائق المنزلية وأجزاء ليست بقليلة من حواف الطرق، وما أصبح مبشراً أكثر أن ما تهالك خلال سنوات الحرب، بدأ المزارعون يستدركونه بزراعة غراس بديلة، بل شمول مساحات جديدة أيضاً حتى إن المشاتل العامة والخاصة لم تتمكن من تأمين كامل الطلب على الغراس الذي اشتد بشكل كبير لتلك الغاية في الموسم الفائت، ويتوقع متابعون للشأن الزراعي أن يستعيد محصول الزيتون عافيته تدريجياً على مستوى المحافظة، وخاصةً أن الأسعار للثمار والزيت باتت مشجعة وتحقق مردوداً جيداً للفلاحين.

صحوة للترميم والتوسع

أشار عدد من الفلاحين إلى أن هناك صحوة لدى المزارعين تجاه إعادة الاهتمام بأشجار الزيتون، وخاصة أن تكاليف إنتاجها أقل بالقياس إلى أشجار الكرمة والرمان وغيرها من الأشجار المثمرة، كما أنها معمرة أكثر، والمردود المتحقق من إنتاجها سواء لجهة الثمار لغرض المؤونة والتخليل أو جهة الزيت أصبح جيداً، حيث تراوح سعر كيلو الزيتون حب خلال الموسم الماضي بين ١٠ و١٥ ألف ليرة حسب الصنف، بينما وصل سعر صفيحة الزيت زنة ١٦ كغ إلى ما يزيد عن ١.٣ مليون ليرة.

((زخم بترميم مساحات الزيتون المتضررة وزرع أخرى جديدة))

عائق قلة الغراس

وأضاف الفلاحون: هذا الواقع دفع الكثيرين إلى إعادة ترميم المتضرر من مزارعهم وزراعة مساحات جديدة، وشكّل عدم توفر الغراس الكافية بشكل عام وللأصناف المرغوبة بشكل خاص عائقاً أمام المزارعين في الموسم الفائت، وخاصة أن ذلك ترافق مع ارتفاع سعر الغراس في المشاتل الخاصة إلى حدود غير معقولة ولنحو ١٠ أضعاف سعر الغراس في مشاتل مديرية الزراعة التي استنفدت الكميات المتوافرة لديها نتيجة شدة الطلب.

وأمل المزارعون أن يتم الانتباه في خطط مشاتل مديرية الزراعة لزيادة أعداد الغراس للموسم القادم لتلبية أي طلب من الفلاحين، حيث إن السعر لديها بحدود التكلفة ولا يستهدف الربح بل يستهدف تشجيع المزارعين على زراعة أكبر قدر من مساحات الزيتون لما لإنتاجها من أهمية غذائية كبيرة.

التكاليف مرتفعة

وتطرق المزارعون إلى أن تكاليف زراعة الزيتون ليست بالهيّنة لجهة عملية الرعاية، حيث ارتفعت أجور فلاحة وعزق الأرض كما تفاقمت تكاليف الري من الآبار الخاصة أو بالصهاريج، يضاف لذلك ثمن الأسمدة والأدوية وأجور جني المحصول ونقله وحتى عصره المرتفعة، وأملوا أن تعيد وزارة الزراعة دعم هذا المحصول كما كان معمولاً به في سنوات ما قبل الحرب بمبالغ مناسبة، حيث كان يقدم دعماً مالياً يساهم في التشجيع على الاهتمام بمحصول الزيتون والتوسع بمساحاته وزيادة إنتاجه.

((تكاليف مستلزمات الإنتاج أرهقت الفلاحين ومطالب بدعم المحصول))

ضبط المعاصر

وطلب الفلاحون من الجهات ذات العلاقة أن تعمل على إجراء جولات ميدانية على معاصر الزيتون قبل بدء موسم عملها، للتأكد من جاهزيتها للعمل ومدى مراعاتها للشروط الفنية اللازمة لعملية العصر وبجميع مراحلها، وخاصةً زمن العجن ودرجة الحرارة وغيرهما، بما يضمن عدم حدوث أي تلاعب وتالياً استخراج كميات الزيت كاملة من عجين الثمار واستبعاد أي احتمال لتحييد أي كميات منها مع “التفل” الذي يمكن أن يعود صاحب المعصرة ويستفيد منها لغايات مختلفة على حساب نقص كمية الزيت المستحقة للمزارعين.

آمال للمستهلكين

تنعقد آمال المواطنين على أن يتحسن إنتاج محصول الزيتون ويزداد تباعاً، وأن ينعكس ذلك على انخفاض أسعار الثمار لغرض التخليل والمؤونة، وكذلك أسعار زيت الزيتون أو على الأقل استقرارها وعدم ارتفاعها مجدداً، لافتين إلى أن ارتفاع الأسعار دفعهم إلى وضع كميات محدودة من مؤونة الزيتون الحب على الرغم من أنه مادة رئيسة لا يمكن للأسرة الاستغناء عنها في موائدها، وبالتحديد على وجبتي الإفطار والعشاء، كما أن شراء العبوات الكبيرة من زيت الزيتون (بيدون أو تنكة) بات صعباً على الأسر الفقيرة التي غدت تشتري بالأوقية وأكثر حدّ بالكيلو، بينما شراء العبوات الكبيرة مع تعددها فور بدء العصر ووضعها كمؤونة يقتصر على الأسر الميسورة فقط.

((الآمال معقودة على إسهام زيادة الإنتاج باستقرار أسعار الزيت والزيتون))

٤ ملايين شجرة

مدير زراعة درعا المهندس بسام الحشيش أشار إلى أنه يوجد في المحافظة ما يزيد على ٤ ملايين شجرة زيتون بمساحة ٢٠ ألف هكتار تقريباً، علماً أن المساحة المزروعة قبل الأزمة كانت تزيد على ٣٠ ألف هكتار، وتضم نحو ٦ ملايين شجرة مثمرة، وبيّن أن الإنتاج المقدر للموسم الحالي يصل إلى ٢٨٦٧٣ طناً من ثمار الزيتون وهو يزيد على إنتاج الموسم السابق بحوالي ٤ آلاف طن تقريباً، أما الزيت فإن الإنتاج المقدر منه للموسم الحالي يبلغ ٣ آلاف طن تقريباً.

((تقديرات الإنتاج تصل قرابة ٢٩ ألف طن من الثمار و٣ آلاف طن من الزيت في درعا))

100 ألف غرسة

ولجهة توفير الغراس للموسم القادم، كشف مدير الزراعة أنه يتوفر في محافظة درعا مشتلان يتبعان لمديرية الزراعة لإنتاج الغراس المثمرة والزيتون، ولاسيما مشتل مدينة إزرع ومشتل نهج في بلدة تل شهاب، وحالياً يوجد في المشتلين ما يقارب ١٠٠ ألف غرسة زيتون ستكون جاهزة للتوزيع مع بداية الموسم، أي في شهر تشرين الثاني ويتم بيع الغراس للفلاحين وفق التنظيم الزراعي ومن خلال البطاقة الشخصية للحدائق المنزلية والترقيع، مع مراعاة عدم زراعة الأشجار على حساب المساحات المخصصة للمحاصيل أو الأراضي المروية.

مرحلة تعافٍ

لم يغفل الحشيش التنويه بأنه حدث خلال سنوات الحرب على سورية تراجع بالإنتاج وعدد الأشجار المزروعة بسبب التعديات وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج وقلة مصادر المياه وظروف المنطقة في حينها بشكل عام، لكن حالياً ومع بدء مرحلة التعافي، أخذ المزارعون يعملون على ترميم مزارعهم من جديد والعودة إليها من خلال تأمين الغراس لإعادة زراعة المساحات المتضررة أو الترقيع، وكذلك الاعتناء بالأشجار الموجودة.

نصائح لا بد منها

من جانبه، رئيس دائرة الإرشاد الزراعي المهندس محمد الشحادات، أشار إلى أن زراعة الزيتون من الزراعات الناجحة على مستوى المحافظة، ويجيد الفلاحون عمليات رعايتها، حيث تراكمت لديهم الخبرات على مدار عقود من الزمن، علماً أن الكوادر الفنية في مديرية زراعة درعا لا تدخر جهداً في سبيل تقديم المشورة حول كيفية رعاية المحصول والإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات في حال وجودها، وكذلك طرق القطاف، حيث ينصح بقطاف ثمار الزيتون باستخدام القطّافات الآلية إن توفرت والقطاف اليدوي، والابتعاد عن القطاف بالعصا لما له من مساوئ لجهة تكسير الأغصان، وخاصة الحديثة التي ستحمل ثماراً في العام القادم، وأفضل طريقة لعصر الثمار أن تكون يومية للحصول على أفضل نوعية زيت، وإن تعذر ذلك ينصح المزارع بعدم تكديس الثمار بكميات كبيرة ولفترة طويلة تزيد على الـ ٤٨ ساعة، حيث إن التأخر يؤدي إلى تعفن تلك الثمار، وبالتالي انخفاض جودة الزيت الناتج.

والملاحظ أن أغلبية المزارعين يقومون بتعبئة الزيتون بأكياس خيش أو نايلون، والأصح هو ضرورة تعبئتها بصناديق بلاستيكية أو خشبية مهوّاة، وأن يتم حجز موعد مسبق لدى المعصرة لعدم بقاء الكميات المراد عصرها فترة طويلة وهي مكدسة، كما ينبغي أيضاً عدم وضع الثمار الجافة المتساقطة على الأرض مع الثمار الناضجة وفرزها لوحدها وعصر كل منهما على حده لكيلا تؤثر في جودة الزيت، بالإضافة للحاجة لاستخدام عبوات نظامية لحفظ وتخزين الزيت، وتخزينه بمستودع بعيداً عن الرطوبة والضوء.

برنامج إرشادي

ولفت الشحادات إلى أنه يتم وضع برنامج إرشادي للزيتون، يسلط الضوء على الإدارة المتكاملة للمحصول وتطبيق المكافحة المتكاملة لآفات الزيتون، بالإضافة لتنفيذ خطة نشاطات إرشادية على مدار العام تراعي أهم المشكلات الفنية التي تعترض المحصول. ويوجد فني إرشادي مختص بالمحصول بكل وحدة إرشادية لتقديم أي خدمات إرشادية يحتاجها المزارع، مبيناً أن أهم أصناف الزيتون المزروع في المحافظة هو “النبالي والقيسي والاسطنبولي والدان والماوي” وغيرها من الأصناف الأخرى.

لا إصابات حتى الآن

رئيس دائرة الوقاية المهندس حسن الصمادي، أشار إلى أن المحصول خالٍ من الإصابات الحشرية وهو بوضع صحي جيد، مؤكداً أنه لم تلاحظ هذا العام أي إصابات بذبابة ثمار الزيتون لغاية تاريخه، لكن هذا لا يعني الاستكانة بل يجب الاستمرار بالمراقبة واستخدام المصائد الغذائية في عملية المكافحة، وذكر أن درجات الحرارة المرتفعة صيفاً، ولاسيما التي تزيد على ٣٥ درجة مئوية ومترافقة مع رطوبة جوية منخفضة نسبياً، تؤدي إلى النقص في معدل تطور المجتمع الحشري، وخاصة لجهة تطور المبايض وإخصاب الحشرات الكاملة وإباضة الإناث.

وبيّن أن ضرر وأعراض الإصابة بذبابة ثمار الزيتون تتمثل بسقوط الثمار المصابة على الأرض قبل نضجها، وبالتالي فقدان نسبة كبيرة من المحصول، وتدني القيمة التسويقية والتصنيعية لثمار المائدة (التخليل)، وانخفاض نسبة وجودة الزيت الناتج من الثمار المصابة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار