الأسواق السورية مضطرة للتماهي مع متغيرات عالمية.. تحليل البيانات وفق العلوم الرقمية أساس سياسة التسعير في الأسواق العالمية.

تشرين- حيدرة سلامي:
تحليل البيانات أصبح أحد أهم فروع علم دراسة البيانات الحديث، كما يعد هذا الفرع درجة أكثر تقدماً في تقديم الدراسات المفصلة للعملاء عن نشاط المنشأة أو جودة المنتج أو حتى تقييم أداء الموظفين لمصلحة العميل فيحصل العميل بذلك على تقارير تفصيلية ودورية ذات شفافية عالية تفيده في تقدير المخاطر المحتملة، وتوجيه نشاطه التجاري.
ويعد ظهور هذا الفرع من العلوم الإحصائية اليوم، إحدى أهم العلامات الفارقة في مسيرة تحول الأسواق إلى الأنظمة المؤتمتة، حيث يقوم علم تحليل البيانات بوضع مقاييس أداء السوق، ومعدل استهلاك الأفراد ضمن أوقات معينة من السنة، كما يقيس حاجة الأفراد الاستهلاكية والتسويقية طوال حياتهم ضمن الحيز الجغرافي، وقد ظهر هذا الأسلوب الجديد في إحصاء البيانات بعد ظهور الصعوبات التي واجهت السوق العالمية ضمن الفترة الأخيرة، لاسيما في الأعطال التقنية الناتجة عن شركات كبرى كـ”مايكروسوفت” وغيرها، والتي نجم عن خطئها الأخير إيقاف حركة المطارات على مستوى العالم، وغير ذلك من المشكلات الثانوية التي واجهها المحللون في الأسواق العالمية، كتزويد العملاء بمعلومات السوق ضمن الوقت المناسب، فقد عانت قاعدة البيانات في الأسواق العالمية ضمن الفترة الأخيرة من صعوبات تقنية في استرجاع البيانات ضمن الوقت المطلوب، ويعود السبب في ذلك إلى خطأ حديث المنشأ في تقنية تصنيف المعلومات، إذ تم تصميم قاعدة المعلومات أو بنك البيانات ضمن الشركات والأسواق الكبرى، حتى يستوعب أكبر قدر ممكن من المعلومات عن العملاء والمنتجات ضمن السوق، ثم يسلمون هذه البيانات الخام إلى المحللين حتى يتمكنوا من إعادة ترتيبها للعملاء، ما يمكن أن يطلق عليه اسم “Normalisation” أو تبسيط المعلومات.

((عانت قاعدة البيانات في الأسواق العالمية ضمن الفترة الأخيرة من صعوبات تقنية في استرجاع البيانات ضمن الوقت المطلوب))

ولكن الفرع الحديث من العلوم الحاسوبية وتحت مسمى مختلف يسمى إظهار البيانات أو تصوير البيانات، يهتم بالارتباط داخلياً بقاعدة البيانات لدى السوق أو الشركة، وإظهارها للعملاء أو المستثمرين المهتمين بالدخول ضمن هذا السوق، أو يظهرها للمستهلكين الذين يرغبون بتأمين حاجتهم من المنتجات الأساسية، فعوضاً عن أن تسلك هذه الفئة من الأفراد الطريق التقليدي الذي ينطوي على المخاطر التسويقية من تضخم وانكماش وهبوط غير محسوب في الأسعار، أو مخاطر العنصر البشري كظهور المحتالين وشركات جمع الأموال واستعمالهم الهوة المعرفية بينهم وبين العملاء لإعطائهم معلومات مغرضة عن عمل السوق لمصلحتهم الشخصية ضد العملاء، فقد بات بإمكان العملاء الاطلاع على بيانات السوق من نافذة واحدة، كما بات بالإمكان إخراج المعلومات من المخرج ذاته بشكل موحد لجميع العملاء وفي وقت واحد، ما يعني عدالة أكبر ومنافسة أكثر نزاهة ضمن قواعد السوق.

فرق عملي
تكون دراسة المخاطر التقليدية بشكل التقليدي، عن طريق خبراء ومحللين اقتصاديين، عادة ما يعملون لاعتبارات سياسية أو اجتماعية خاصة، فلا يكون تحليلهم للمعلومات قائماً أو مستنداً إلى أساس منطقي أو موضوعي، بل كثيراً ما يضع تحليلهم الخطر على المراجعين لمصلحة مزودي الخدمة، حيث لم يعد من الممكن تنفيذ معالجة البيانات وجمعها بشكل فعال من الفرق البشرية باستخدام برنامج Excel، أو استخراج المعلومات على مرحلتين.. فقد أصبح دعم قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أمراً حيوياً لمعالجة أحجام البيانات الحالية في الوقت الفعلي.
وبناء على ما سبق، يعالج علم البيانات الموضوعات الأكثر تداخلاً بدراسة مخاطر السوق، عن طريق أربع مراحل: أولاً تحليل البيانات، وتعتمد على علوم الإحصاء والرياضيات، وهندسة البيانات، وثانياً تعتمد على علوم التحليل الفني والمالي في صناعة إخراج المعلومات للمرحلة القادمة, وثالثاً الهندسة الآلية للمعلومات، حيث تقوم هذه الدراسة باعتماد الذكاء الصناعي في دراسة التقارير السنوية السابقة لإعداد الدراسات المستقبلية، وأخيراً إخراج البيانات أو إظهارها، ويتمثل في تصنيع المعلومات وترتيبها بطريقة عرض بسيطة للعملاء.. وبالتالي تمر على عدة مراحل انتقائية، يتم في كل مرحلة تقليص الاحتمالات المستبعدة وإبعادها عن واجهة الاستثمار أو استهلاك للعملاء.

وعلى عكس الأسلوب السابق يتم نقل المخاطر من العميل إلى مزود الخدمة، وأيضاً إلى ما يسمى الآن علماء البيانات وخبراء الحلول المسؤولين عن تقديم هذه الدراسة الرقمية إلى العملاء.
مضاعفة الرقمية ومواجهة مخاطر العقود
أظهرت الدراسات الحديثة في استطلاعات بيان الرأي، أن ما يريده العملاء اليوم هو الحصول على بيانات النتائج والتجارب أكثر من المنتجات ذاتها، أي إن ما يهم العملاء هو دراسة الشركة المصنعة ذاتها وتاريخها وملاءتها المالية، أكثر مما يعني لها استهلاك المنتج أو الخوض في تجربة استثمارية غير واضحة المعالم مع الشركة، فقد باتت الأتمتة أفضل الطرق لتتأكد الأطراف من ملاءة الطرف الآخر قبل المضي في العقود، وقد نجحت مجموعة متنوعة من الشركات الصناعات في تسخير مبادئ الخدمة وتحويلها إلى حق شعبي تجاه المستخدم الأخير، كشركة غوغل وشركة IBM، فباتت الشركات أكثر شفافية في إظهار نظامها الداخلي للعملاء، وحققت بذلك زيادات غيرت قواعد اللعبة في تحصيل أداء الإيرادات ورضا العملاء في وقت واحد، وبات الحصول على هذا الحق يتوقف على تفعيل استراتيجية تسعير العقود بين الأطراف.
لذلك، هناك حاجة ماسة اليوم في السوق إلى الانتقال السريع للرقمنة من أجل التعامل مع مجموعات البيانات الضخمة وتحسين الأسعار لعقود الخدمة الكاملة لغاية ما بعد البيع.. وبذلك تعمل الرقمنة على تقليل مخاطر العقود، وتحسين الإنتاجية التشغيلية، وتمكين اتباع نهج استباقي لتخطيط الموارد لمراحل لاحقة.
تفعيل ديناميكيات السوق المتطورة
سيكون نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أمراً بالغ الأهمية للتنبؤ بالتكلفة الإجمالية لعقود العمل وعقود الخدمات بدقة أكبر بكثير من السابق، فقد أصبحت ديناميكيات السوق أسرع بكثير، وأكثر صرامة، وأشد تعقيداً، نظراً لأن التكنولوجيا تضيف الكثير من الضوابط المحكمة على سير خطة العمل، فلا يعود بإمكان المحللين أو الاقتصاديين المماطلة بمآل المهام المسندة إليهم، ويلتزمون بذلك بعملهم ضمن الخطة الزمنية.
ومع سعي العملاء لمعرفة نظام الشركات الداخلي أو أداء السوق قبل الإقدام على عمليات التعاقد وغير ذلك فإن ظهور سياسة تسعير العقود المبتكرة يوفر وسيلة لتأمين هوامش قوية في وقت الاضطرابات العالمية والمنافسة الشديدة.
وسياسة تسعير العقود الجديدة، تعتمد على علوم تحليل البيانات بشكل أساسي، فهذه العقود تسمح للمتداولين بشراء أو بيع السندات بسعر ووقت محددين مسبقاً في المستقبل، أي إنها تتجاهل مخاطر السوق المستقبلية لمصلحة العميل، فيمكنه الاحتفاظ بأصوله المالية إلى حين تأتي الظروف المناسبة لبيعها والربح منها، وهذه إحدى أحدث ديناميكيات السوق الحديث.

ضرورة للاقتصاد الوطني
وبناءً عليه لا بد من إدخال هذه الأساليب الاقتصادية الإدارية ضمن السوق الوطني، وأولئك الذين يتجاهلون هذا الاتجاه سوف يواجهون صعوبة في الاحتفاظ بالعملاء وسيكونون أكثر عرضة لخطر التقلبات في الطلب الناجمة عن قضايا مخاطر السوق.. فعلى الساحة الوطنية، لم تعد أساليب التكلفة الإضافية مربحة بما فيه الكفاية، ويجب أخذ القيمة التي يراها العملاء في الاعتبار عندما يتعلق الأمر بتسعير السلع، حيث تعدل الأسعار كلما أصبحت استراتيجية التسعير أكثر تطوراً، فتزيد بذلك إيرادات السوق الوطني التي يمكن تحقيقها.

من يتجاهلون تحليل البيانات محلياً سوف يواجهون صعوبة في الاحتفاظ بالعملاء وسيكونون أكثر عرضة لخطر التقلبات في الطلب الناجمة عن قضايا مخاطر السوق

ولذلك لا بد من السير في اتباع سياسة داخلية تقوم ببناء السوق على أساس هذه النظم المتطورة، حيث تتطلب هذه الأساليب من مصنعي المعدات الأصلية في السوق الوطني نشر تحليلات البيانات عن منتجاتهم، وتبني الأتمتة في نظام عملهم، واستخدام البرامج التي تدعم التسعير الآلي أو المستقبلي للسلع، وذلك من أجل إنشاء هوامش أكثر أماناً وربحاً، وبما أنه بات من الممكن بالذكاء الاصطناعي أن تتم معالجة كمية هائلة من البيانات في الوقت الفعلي، فقد صار من الممكن التنبؤ تقريبياً بتكاليف المواد والعمالة بدقة لا مثيل لها، وسيحصل رواد الأعمال حينئذ على هوامش ربح أو خسارة أكثر قابلية للتنبؤ، وتحليلات أكثر استباقية للتكاليف، ما يقلل من مخاطر العقود غير المربحة، ويتم بذلك أخيراً تحقيق أهداف السوق، على الرغم من عدم اليقين والاضطراب الاقتصادي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار