في الأسبوع الماضي نشر دايفيد بترايوس مقالاً في المجلة الأمريكية الشهيرة «فورين أفيرز» بعنوان «إسرائيل ترتكب أخطاء أمريكا…» في الحرب، وفي الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة، اعترف بترايوس بما قامت به واشنطن من «تمويل وتدريب وتسليح وإدارة للفصائل المسلحة والسياسية في سورية بهدف قلب الحكم فيها والسيطرة على قرارها»، ويكمل بترايوس اعترافه بمدى الفشل الذي سقطت فيه مخططاتها للسيطرة على سورية، طبعاً بترايوس في مقاله كان يفند أخطاء الولايات المتحدة بدءاً من حربها في أفغانستان، إلى غزوها العراق، إلى رعايتها لما سمي الربيع العربي خاصة في سورية.
دايفيد بترايوس كما هو معروف ليس كاتباً مهماً، أو صحفياً متميزاً، يكتب رأيه ووجهة نظره فقط، بل هو واحد من أهم من شاركوا في صناعة وتنفيذ القرار الأمريكي حول المنطقة، وكان قائداً للقوات الأمريكية في حربها ضد أفغانستان، ثم قائداً للقوات الأمريكية في العراق، ثم مديراً للمخابرات المركزية الأمريكية، وكان يتحضر لخوض السباق الرئاسي عندما أطيح به بفضيحة حول علاقة غرامية خارج الزواج، وهكذا فإن شهادته حول أخطاء بلاده هي اعتراف ممن شارك في ارتكاب هذه الأخطاء، وهي إقرار ممن ارتكبها وتورط بها، وهذا ما ينطبق عليه القاعدة القضائية «الاعتراف سيد الأدلة».
بترايوس في مقاله يبرهن أن «إسرائيل» ترتكب في حربها ضد الفلسطينيين الأخطاء نفسها التي ارتكبتها أمريكا في أفغانستان والعراق، ويركز على الخطأ المركزي المنتج للفشل القاتل والقادم، وهو استخدام القوة ضد المدنيين، وتشريدهم وتهجيرهم وإهانتهم والحط من كرامتهم الإنسانية، ويرى بترايوس أن هذا الخطأ – الجريمة سيدفع حتماً أبناء غزة للالتحاق بالمقاومة، وحتى إذا استطاعت «إسرائيل» تصفية هذا الفصيل أو ذاك من المقاومة، فإن ما تفعله بالأهالي سينتج لها أجيالاً من المقاومين الأشرس والأشد تصميماً على الانتقام منها، ويفصل بترايوس بأن هذا بالضبط ما حصل مع الجيش الأمريكي في العراق حتى انتبهوا إلى خطر ما يقومون به.
حتى بترايوس المؤيد لـ«إسرائيل» يعترف بأن ما يرتكبه الكيان الصهيوني في غزة والضفة سينتج مقاومة أقوى في مواجهتها، أي إن «إسرائيل» بما تقوم به من عدوان وإبادة جماعية وتدمير وتهجير لن تضمن أمنها واستمرار بقائها، بل هي تزرع بذور فنائها، وتستولد المقاومة التي ستطيح بها، وتنتج القوة التي ستدمرها، وكأنها تطبخ السم لتتسمم به، صحيح هي الآن تقتل وتدمر وتبيد، لكنها أيضاً تؤسس لانتهائها وزوال مشروعها، وبذلك فهي ليست عدوة للعرب والعروبة فقط، بل هي بما ترتكبه من عدوان وجرائم أشد الأعداء لنفسها ووجودها لأنها بما تفعله تعجل نهايتها، خاصة وأنها مصرة على أخطائها وجرائمها وهمجيتها وعنصريتها.. وكلها سموم تطبخها بيدها وستتسمم بها.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات
قد يعجبك ايضا