التغير المناخي يفرض إيقاعه السلبي على محاصيلنا ومواردنا المائية.. والبحوث الزراعية تعتمد تقنيات مجابهة
تشرين- حسام قره باش:
التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة المتتالي أثر في منهجية البحث فيما يتعلق بالموارد والمحاصيل الزراعية، وعليه تم التوجه إلى استنباط أصناف مقاومة للجفاف من القمح والشعير ولبرامج الاحتياجات المائية بحيث يخفض الاحتياج المائي للنبات ويحدد له ما يحتاجه فقط، وفق ما أكده مدير الموارد الطبيعية في هيئة البحوث الزراعية الدكتور المهندس منهل الزعبي
تقنيات المجابهة
وبالتالي يوضح الزعبي خلال حديثه لـ “تشرين”، أنه يجري حالياً بالتعاون مع بعض المنظمات العمل على تقنية حصاد مياه الأمطار من المنطقة الخامسة إلى الأولى، في كل مناطق سورية للاستفادة من كل قطرة مطر، إضافة إلى فعالية جيدة تنفذ حالياً بالتعاون مع منظمة «الفاو» وهي التسوية بالليزر بإدخال آلية على أرض الفلاح، فتجرى لها تسوية 100٪ وهذه التقنية توفر استهلاك 25٪ من الماء وهي تقانة عالمية موجودة تم تأهيلها في البحوث، وتوجد منها 4 وحدات جاهزة بدأ العمل بها نتيجة التأقلم والتكيف مع التغير المناخي، وكذلك العمل على جدولة الري مع الموارد المائية فيما يخص دراسات المياه ونوعيتها.
ويتابع الزعبي: تتدهور التربة في سورية بسبب الكربون العضوي الذي يتحول إلى كربون غازي بسبب التغير المناخي، ما يزيد من غاز الدفيئة وإفقار الأرض، وعليه يتم التعويض بتقنيات جديدة مثل (الكمبوست والفيرمي كمبوست) للتغلب على هذه المشكلات وكل هذه التقنيات جارٍ العمل عليها.
((تتدهور التربة في سورية بسبب الكربون العضوي الذي يتحول إلى كربون غازي بسبب التغير المناخي ما يزيد من غاز الدفيئة وإفقار الأرض))
وفي ضوء البحث في أساليب التأقلم أشار إلى قيام باحثين في مركز بحوث حلب بالعمل على تقنية التربية السريعة لتطوير المحاصيل بدل اعتماد الأصناف المتأقلمة على الجفاف لمدة سنة، لتصبح خلال عدة سنوات مع التركيز على ضرورة الأخذ من بيئتنا المحلية وليس من محاصيل خارجية، لأنها لا تتأقلم مع بيئتنا وتتطلب احتياجات مائية عالية وهي المشكلة الأبرز التي نعاني منها.
قيد التجربة والتنفيذ
منذ عام 2014 جرى التركيز على إنتاج محاصيل مقاومة للجفاف كالقمح والشعير، حيث اُعتمدَت أصناف وعدد كبير من سلالات القمح والشعير التي يقوم الفلاحون بزراعتها منذ سنوات سابقة، وتم أيضاً منذ حوالي الشهر اعتماد أصناف جديدة، إذ ينصب الاهتمام الحالي بالذات على محصول القمح الإستراتيجي الذي لا يمكن الاستغناء عنه كما بيَّن الزعبي، مؤكداً أن موضوع الاستنباط مستمر على مستوى كل المراكز البحثية بزراعة سلالات واستنباط دائم وهذا الهدف الرئيسي لإدارة المحاصيل في الهيئة، حيث تأتينا سلالات من (إيكاردا) و(أكساد) فتُختبَر في سورية لاعتمادها لعدة سنوات مع التركيز على إنتاجيتها ومدى تحملها للجفاف والاستهلاك المائي إن كان عالياً أو مقبولاً بما يناسب بيئتنا كما ذكر.
على أرض الواقع
كما كشف مدير الموارد الطبيعية في هيئة البحوث الزراعية عن وجود تجارب عديدة بكل المراكز البحثية في القطر كحلب ودرعا، حيث تزرع أصناف في محطة بحوث درعا وحقول استرشادية للفلاحين، وهذه التجارب قبل وبعد اعتمادها تذهب لإكثار البذار التي توزعها على الفلاحين، مضيفاً: لدينا أصناف أعطت 5 أطنان في الهكتار الواحد مثل قمح دوما 1 وقمح دوما 6، وتتميز بإنتاجية جيدة إنما تحتاج إلى مستلزمات زراعية كالأسمدة وغيرها، بعد أن كنا سابقاً نزرع مثلاً القمح الحوراني وهو صنف قوي جداً ومتأقلم مع الجفاف ولكن مشكلته في إنتاجيته الضعيفة، وحالياً يتم تهجينه وأخذ الأصل الوراثي في مقاومته للجفاف لتوزع على محاصيل القمح.
((أصناف قمح أعطت 5 أطنان في الهكتار الواحد مثل قمح دوما 1 وقمح دوما 6 وتتميز بإنتاجية جيدة إنما تحتاج إلى مستلزمات زراعية كالأسمدة وغيرها))
ورأى أن الوضع البحثي والتجريبي ممتاز، ويتم اعتماد الأصناف المحسنة من لجنة وطنية فيها منظمات وجهات معينة، والاعتماد النهائي يكون من وزير الزراعة، حيث تذهب هذه الأصناف الجديدة لمؤسسة إكثار البذار.
هل نزرع القهوة يوماً؟
سؤال يطرح نفسه، هل يقودنا التغير المناخي والارتفاع المستمر بدرجات الحرارة بشكل غير مسبوق لدرجة تجعل مناخنا استوائياً وبالتالي يفقدنا محاصيل كالتفاح مثلاً ويفرض علينا محاصيل أخرى كزراعة القهوة والأناناس مثلاً.
يجيب الدكتور الزعبي عن ذلك بأنه سابقاً أجريت دراسات على زراعة نبات القهوة والشاي ولكن هذه المحاصيل مازالت لا تتلائم مع بيئتنا، وبالإمكان نجاح زراعتها ضمن بيوت محمية، لكن بالمقابل تكلفتها عالية وزراعتها ليست اقتصادية مقارنة بأماكنها الأصلية، ولذلك يفضل التوجه دائماً نحو زراعات تناسب بيئتنا المحلية رغم أن الزراعات الاستوائية نجحت في المنطقة الساحلية فقط،
((يفضل التوجه دائماً نحو زراعات تناسب بيئتنا المحلية رغم أن الزراعات الاستوائية نجحت في المنطقة الساحلية فقط.. لكن أسعارها رخيصة مقارنة بتكلفتها))
مبيناً قيام مركز البحوث بإنشاء محطة خاصة بهذه الزراعات في طرطوس خاصة، وقد جرت زراعتها وتتم دراسة احتياجاتها المائية والسمادية، لافتاً إلى أنها أصبحت متوافرة في الأسواق إنما ذات تكلفة مرتفعة، متوقعاً بكثرة إنتاجها حين زراعتها ورخص أسعارها مقارنة بتكلفتها وهذه مشكلة أيضاً حسب قوله.
مبالغة لا مبرر لها
في هذا السياق يشير الزعبي إلى أن موضوع التغيير المناخي له أثر سلبي إنما ليس بذلك التشاؤم الكبير الذي يقودنا إلى فقدان محاصيل وزراعات معينة، نافياً ما يرَّوج بأن مدينة دمشق ستجف وتصبح بلا مياه عام 2050، رغم ما للتغير المناخي من سيناريوهات تأثير محتملة إنما ليس لهذه الدرجة السيئة التي يتصورها البعض، معتبراً أن منطقتنا شهدت تغيراً مناخياً منذ 30 سنة، إلى الآن وبدرجات حرارة مرتفعة باستمرار وقلة كميات الأمطار.
((موضوع التغيير المناخي له أثر سلبي إنما ليس بذلك التشاؤم الكبير الذي يقودنا إلى فقدان محاصيل وزراعات معينة))
مؤكداً في الوقت ذاته أنه ليس بذاك الشكل المخيف الذي يتكلم عنه البعض، والجفاف القادم على سورية ودمشق أيضاً ليس صحيحاً، لأنه ببساطة كمثال تمر علينا حالياً سنتان من الجفاف ثم تأتي سنة يتم فيها تعويض الفاقد المائي من الأمطار لعشر سنوات مضت.
وأضاف: علمياً معدل الأمطار عندنا ثابت، لكن المشكلة في توزع الأمطار بين منطقة وأخرى، وإذا افترضنا أن متوسط موارد مياه الأمطار السنوية عندنا 46 مليار متر مكعب ثابتة إنما تكون الهطلات واحدة لكن توزعها من المنطقة الخامسة بالبادية باتجاه المنطقة الساحلية، ولذلك بشكل عام نقول يوجد سوء توزع بالأمطار نتيجة المناخ المتغير والمؤثر سلباً في بلدنا.