مستقبل الرواية

على منبر ثقافي، وأمام جمهور نوعي، قال الروائي عن رواية لكاتب آخر، هو موضوع الندوة: إن أحدَ عيوبها هو الطول الذي لا يحتمله القارئ! وبتلقائية التداعيات سألته إن كان قد قرأ “الأبله” لديستويفسكي فأجاب بفخر: بالتأكيد قرأتها! هل هناك كاتبٌ لم يقرأ روائع هذا الكاتب؟ ولعلك ستسألينني عن “الحرب والسلام” لتولستوي!
لم يعِبْ الروائيّ على كاتبين كبيرين أجنبيين أنهما كتبا روايات بأجزاء وليس بجزء واحد، بل وجد ذلك عيباً في روائي عربي أتحف المكتبة بعمل آسر يكاد القارئ يجد فيه قاموساً ضافياً من مفردات وألعابٍ وشفوياتٍ وأغنياتِ مهدٍ وفراقٍ وزرعٍ وحصادٍ تخص بيئةً ريفية، ربما لم ينلْ غيرُها مثلَ هذا الحظ!
لا أني أتذكر هذا المشهد الذي طال فيه الحوار والجدل، كلما واجهتُ حالَ قراء هذا العصر الذين اجتذبهم ضوءُ الجهاز اللوحي، وفي حين كان عدد القراء يُقاسُ بعدد النسخ المطبوعة للكتب، وهي تُعد بالآلاف، تبدو تلك الأرقام بسيطة جداً مقابل مقتني الأجهزةِ اللوحية التي توصفُ ببساطة بأنها ذكية وباتت متاحةً للملايين، ومعها استقدَمت الدارسين والبحاثة الذين ينظُرون في الإدمان، وفي التأثير السلبي والإيجابي، والتنافس، والعقوبات، فيما ليس مجاله هنا، حين الحديث عن الثقافة غير الورقية، إذ كما استدارت البشرية برمتها بعد اختراع الطباعة إلى عصر جديد، تبدو كأنها تفعل ذلك بعد اختراع الإنترنت، وتنزلق شيئاً فشيئاً إلى أسلوب “الملف” المحفوظ على موقع إلكتروني، بحيث تحوَّل إلى نافذة صغيرة يمكن فتحها وتوسيعها لمن يرغب، فلا كتابٌ ولا غلاف ولا وزن فيزيائي ولا رفوف مكتظة، وضمن هذا كله هناك نمطُ الحياة المستجد ونزقُ القارئ المستعجل، الذي وصل إلى درجة نبذ “المنشور” الطويل ويكاد يكرر: لا تُطلْ، لأنني لن أقرأ لك! لا تُطل، هذا عيبٌ سيحرمك من المتابعة، على طريقة الروائي الذي عاب على زميله الإطالة، من دون أن يقيم وزناً للنفائس التي احتوتها تلك الرواية! حسناً إذاً، ما مصير الرواية غداً؟ هل ستُخلي مكانها للأقصوصة أو القصة القصيرة جداً القادرة على تسليك طريقها في الزحام والمرور بمن ليس لديه وقت كأنه رحّالة لا يقيم في بلد ولا نُزْلٍ إلّا بمقدار تناول طعام ونومٍ قلق؟ هل سيختفي الروائي بعد اختفاء القارئ؟ في الواقع، لا! فلا المسرح اختفى مع ظهور الرواية، ولا الرواية اختفت مع ظهور السينما، ولا السينما اختفت مع ظهور التلفزيون، لأن للفنون طبائعَ الديمومة، وفيما يخص الرواية، أنّ قارئها ومتذوقها ليسا من الجوالين النزقين على النت!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار