الموظف وشريك الكرتون
كان إلقاء السلام بمنزلة الورطة بالنسبة لصديقي الذي يعمل في إحدى الجهات العامة، حيث رد جامع الكرتون السلام عليه حينما مررنا مساءً بقربه ملحقاً بأسئلة بدت وكأنها تحمل الكثير من التشفي وإن كان لا يقصد.
حيث سأله بعالي الصوت والطريق مليء بالناس: هل تنضم إلينا.. فهذه مهنة مردودها مجزٍ؟ وعلى طيبته لم تكن ردة فعل من أماشيه إلّا لطيفة بسيطة كطبعه، حيث قال: مازالت في الوظيفة، الحمد لله على كلِّ حال.
بصراحة استفزني جامع الكرتون بأسئلته، وقلت لصديقي إنّ طرحه فيه جرأة كبيرة، تصل إلى حدّ الوقاحة، وكنت أرغب لو رددت عليه بغير ذلك، فقال: وبماذا أرد يا صاحبي؟ إن ما يجنيه جامع الكرتون هذا والكثير من أمثاله، ممن أمسوا يعملون بهذا العمل، يكاد يعادل في يومين أو ثلاثة راتبي عن شهر كامل.
على خلفية ما حدث أخذنا الحديث إلى نتيجة مفادها، أننا نحن ومع طول خدمتنا في الوظيفة أصبحنا بإرادتنا أسرى لها، وغدت ركناً أساسياً في حياتنا لا يمكن التخلي عنها، أضف لذلك أن اعتبارات كبرنا في السن والشهادة التي نحملها ونظرة المجتمع، تشعرنا أنه لا يمكننا العمل في جمع الكرتون والبلاستيك أو بغيره بالرغم من أنه أكثر دخلاً، لكن هذه الاعتبارت التي نأخذ بها مع معظم من هم بعمرنا في الخمسينات، يتم تجاهلها ممن هم في العشرينات والثلاثينات، إذ يديرون ظهورهم للوظيفة غير آسفين ويتوجهون لأعمال أخرى حتى لو لم تتناسب ومؤهلاتهم العلمية، ما يتسبب بعجز في الكوادر تعانيه أغلب الجهات العامة.
بالتأكيد ليس بجديد طرح هذه المقارنة، فمثلها كثير، لكن يبقى الأمل معقوداً على أن تتاح الظروف الملائمة وبأسرع ما يمكن لتحقيق حلم تحسين الوضع المعيشي لمحدودي الدخل، حفظاً لماء وجه من تمترسوا في الوظائف ولم يتخلوا عنها أمام من يعملون في المهن الحرة، وللحدّ من تسرب الكوادر وتشجيع الإقبال على العمل الوظيفي لسد العجز الحاصل.