أشجار الحديقة!!
مع مرور ما يُقارب العقد ونصف العقد من عمر الحرب على سورية؛ كان ثمة حياة يعيشها السوريون في موازاة الفاجعة، حياة كانت أقرب لـ”المجاكرة” مُجاكرة قباحة الحرب بالجمال، وليعلن السوريون في كلِّ مرة: نعم نحن نحبُّ الحياة، وسنجد إلى ذلك سبيلا..
ومن مظاهرها؛ كانت الاشتغال الثقافي، الثقافة التي خاضت هي الأخرى حربها وعلى الجبهات كلها، وفي مختلف أنواعها ومستوياتها.. فقد بقيت الدراما التلفزيونية شاغلة العرب، وشاغلة فضائياتهم، وبقي السينمائيون يقدمون السينما الموازية للحرب، وهكذا فعل المسرحيون والتشكيليون والمطربون وغيرهم.. غير إنّ ثمة ظاهرة، أو ظواهر ثقافية تشكلت عبر سنيّ الحرب.. صحيح أن لبعضها إرهاصاته وملامحه قبل الحرب على سورية، غير إنها تكرست خلال الحرب أكثر، وهي من الظواهر الإيجابية التي تؤكد أنّ شعباً كان أول من قدّم الأبجدية، واكتشف اللون والنوتة الموسيقية، وحقول القمح والزيتون؛ يستحيل على الذئاب الظلامية أن تمنعه من الحياة.. ومن هذه الظواهر: الملتقيات والمقاهي والروابط الثقافية، وهذه كان ظهورها بمنحيين: الأول افتراضي على هذا الفضاء الأزرق بكلِّ ما أتاحته أنواع السوشيال ميديا، والثاني: كان يوازيه، وأحياناً يُترجمه على أرض الواقع، أو هو نفسه – في بعض الحالات – كان يُقيم فعالياته افتراضاً على صفحات الفيسبوك، أو من خلال مواقع إلكترونية على “النت”، وعلى أرض الواقع أيضاً..
وهكذا سنشهد تشكيل مئات المواقع والمجموعات، بعضها تخصص بأنواع مُحددة من مجالات الثقافة، والبعض الآخر كان عامّاً للكثير من الأنواع الثقافية والإبداعية، وكان لمثل هذه الروابط فعاليات موازية على أرض الواقع، ورغم إنها تأخذ السمة الأهلية والمدنية، غير إنّ بعضها أقام فعالياته على المنابر التي وفرتها الجهات الحكومية والرسمية وشبه الرسمية لها، ومرات اختارت منابر أخرى بعيدة عن المنابر الرسمية بغية الوصول لمتلقٍ آخر مختلف عن مُتلقي فعاليات الجهات الرسمية..
من هنا استغرب رأي البعض الذي من خلاله يصرون على “تنشيف البحر”، والإصرار على نفث رياح الإحباط لوصف كل ثقافي جميل بأنه ليس أكثر من عبث ودون جدوى، لاسيما وصف الفعاليات سواء التي تُقيمها المؤسسات الرسمية أو الأهلية وحتى الأفراد على أنها جميعها دون جدوى.. مع إنّ كلّ الجدوى عندما نوفر لأشجار الحديقة بأنواعها الماء والضوء نفسه لنقطف كلّ الثمار..
هامش:
………….
حديثنا
دائماً
معركةٌ ضارية،
ومع ذلك
لانزالُ نكتشفُ
في كلِّ مرةٍ:
إننا لسنا طرفي صراع!!