طريقة تخزين البذار محل تساؤلات .. الذهب الأصفر بين أيدي الباحثين للنجاة من لعنة الجفاف وارتفاع الحرارة.. استنباط سلالات مقاومة للإجهادات اللاإحيائية
تشرين – رشا عيسى:
فرضت التغيرات المناخية القاسية واقعاً سلبياً على زراعة القمح ومحدودية في الإنتاج، واتباع سياسة التكيف باتت أمرًا ملحًا تعمل عليه الجهات البحثية مثل سياسة استنباط سلالات مقاومة للإجهادات اللاإحيائية (مقاومة للجفاف وارتفاع الحرارة)، بينما حدد الخبراء مشكلة إضافية تم لحظها بطريقة حفظ الأصناف وإكثارها لاستخدامها كبذار للزراعة، ما ينبئ ربما بحدوث تدهور لصفات هذه الأصناف وتدني في خصائصها الإنتاجية والنوعية.
المصطفى: العمل مع الشركاء على المستوى الإقليمي والدولي للتوسع في إدخال تقنية التربية السريعة
مدير إدارة بحوث المحاصيل في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتورة علا المصطفى، بينت لـ(تشرين) أن الدراسات تشير إلى أن التغيرات المناخية ستؤدي إلى نقص في إنتاجية المحاصيل، ولمواجهة ذلك والتعامل مع التغيرات المناخية يتم اتباع سياسة التكيف مثل سياسة استنباط استنباط سلالات مقاومة للاجهادات اللاإحيائية، (مقاومة للجفاف وارتفاع الحرارة) اللذان يقللان الإنتاجية, لذلك قامت الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية بتوجيه إستراتيجية تربية المحاصيل، وخاصة المحاصيل الإستراتيجية ومنها القمح لاستنباط سلالات عالية الإنتاجية ومقاومة للجفاف وارتفاع الحرارة من خلال إدخال والتركيز على الطرز والتراكيب الوراثية المقاومة للاجهادات اللا إحيائية في عمليات التهجين، وتوجيه عملية الانتخاب ضمن الأجيال المتعاقبة لتحقيق هذا الهدف، ودراستها في عدة مناطق بحيث تحقق صفة الثباتية الإنتاجية ضمن برامج وطنية وبالتعاون مع منظمات دولية (إيكاردا) ومنظمات عربية (أكساد).
المصطفى: تم إعداد ثلاثة تقارير اعتماد لسلالات من القمح الطري
عمل مع الشركاء
وأوضحت المصطفى أنه يتم العمل مع الشركاء على المستوى الإقليمي والدولي للتوسع في إدخال تقنية التربية السريعة لرفد برامج تربية المحاصيل بقاعدة عريضة من الطرز المستقرة وراثياً، كما يتم التوسع بالقاعدة الوراثية لزيادة وتيرة اعتماد الأصناف بتبني مبدأ صنف/ منطقة بيئية.
وأشارت المصطفى إلى أنه تم اعتماد صنف قمح قاسٍ (دوما5) ملائم للزراعة البعلية استقرار ثانية في حماة في عام 2022، وتميز بمواصفات نوعية جيدة ومقاوم للجفاف، كما تم اعتماد صنف قمح قاسٍ (شام11) ملائم للزراعة المروية في محافظتي حمص وحماة ومنطقة الغاب عام 2023، تميز بالثباتية الإنتاجية.
سلالات مبشرة
ووفقًا لمصطفى فقد تمّ إعداد ثلاثة تقارير اعتماد لسلالات من القمح الطري: سلالة مبشرة من القمح الطري دوما 68017 للزراعة البعلية في منطقة الاستقرار الأولى في محافظات درعا، حمص، الغاب، وسلالة مبشرة من القمح الطري دوما 58585 للزراعة البعلية في منطقة الاستقرار الثانية. وسلالة مبشرة من القمح الطري دوما 64453 للزراعة البعلية في منطقة الاستقرار الثانية، تميزت بتحمل الجفاف، ومتحملة لأمراض الصدأ الأصفر والبرتقالي والأسود.
إضافة لإعداد مسودة تقرير لاعتماد سلالتين من القمح القاسي: سلالة مبشرة من القمح القاسي ICAMOR1 للزراعة المروية (ريف دمشق، حمص، حلب)، تميزت بالثباتية الإنتاجية، ومتحملة لمرض الصدأ الأصفر.
و سلالة مبشرة من القمح القاسي ICAKASSEM2 للزراعة البعلية منطقة استقرار أولى (درعا، الغاب)، تميزت بالإنتاجية، ومتحملة للصدأ الأصفر والورقة.
درويش: إدخال واستنباط الأصناف من الأولويات المهمة في مجال تطوير زراعة محاصيل الحبوب ومنها القمح
أولويات
من جهته، الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش بين لـ( تشرين) أن عملية إدخال واستنباط الأصناف، وتحسين الأصناف المعتمدة من الأولويات الهامة في مجال تطوير زراعة محاصيل الحبوب ومنها القمح.
وما تقوم به الجهات البحثية الزراعية وبشكل دائم، سواء منها على مستوى وزارة الزراعية أم الجهات الأكاديمية والدولية العاملة على الأرض من عمليات تحسين مستمر للأصناف المحلية الموجودة وبما يتوافق وتغير الظروف المناخية للقطر وبشكل يرفع من هذه الأصناف على تحمل الظروف البيئية غير الملائمة إلّا دليلٌ قاطعٌ على دور هذه العمل في مجال تطوير زراعة القمح في سورية وخطوة لتحقيق أمن غذائي مستدام.
مخزون زاخر
وأشار درويش إلى أن مخزوننا من المصادر الوراثية الخاصة بمحصول القمح زاخر بالأصناف التي عملت على تربيتها واستنباطها وتحسينها الجهات المعنية منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأت برامج استنباط وتحسين الأصناف وذلك بالنظر لما عاشه البلد من ظروف قاسية مناخية وغيرها في تلك الحقبة، أفضت هذه البرامج إلى العديد من الأصناف التي تمتاز بصفات وخصائص متنوعة من حيث الإنتاجية، النوعية، مقاومة الأمراض والظروف المناخية غير الملائمة من جفاف وصقيع وغيرها.
ولا تزال هذه البرامج مطروحة عاماً تلو الآخر لاستنباط وإدخال أصناف جديدة من القمحأصناف جديدة من القمح إلى العملية الإنتاحية، وكذلك اختبار هذه الأصناف محليًا. ويمكن القول، إن مشكلتنا الحالية في مجال زراعة القمح ليست في هذه الأصناف المعتمدة والتي تمت زراعتها لفترة لا بأس بها في السنوات السابقة وحققت ما حققته من فائض في الإنتاح.. ويمكن أن تكون المعضلة بهذا الخصوص في الطريقة التي تمّ بها حفظ هذه الأصناف وإكثارها لاستخدامها كبذار للزراعة وذلك من عام لآخر، ما قد ينبئ ربما بحدوث تدهور لصفات هذه الأصناف وتدني في خصائصها الإنتاجية والنوعية وتحملها للظروف البيئية القاسية.
ويتطلب الأمر إجراء عمليات تحسين وصيانة مستمرة لهذه الأصناف، وهنا يبرز دور الجهات الزراعية البحثية العاملة على الأرض، وبالعودة لدليل زراعة القمح الصادر عن الهيئة العامة للبحوث الزراعية يمكن أن نلمس وجود عديد من أصناف القمح التي تمّ اعتمادها بالنظر لظروف كل منطقة، وهكذا لندرك حجم الذخيرة الوراثية من أصناف القمح التي نمتلكها والتي كانت في يوم من الأيام وربما ليومنا هذا محط فخر لزراعة محلية مستقرة ومستدامة.
درويش: مخزوننا من المصادر الوراثية الخاصة القمح زاخر بالأصناف
هاجس الخبراء
و وجد درويش أنّ هذا الانحدار الخطي في إنتاج القمح، عامًا تلو الآخر، في سنوات الأزمة الماضية، وحتى في الأعوام التي حشدت بها الجهود ومن كافة الجهات (كعام القمح مثلًا) للتوسع بزراعة القمح بغية تحقيق إنتاج مناسب يمكن أن يسد جزءاً لا بأس به من حاجة الاستهلاك المحلي، ويقلل الكميات المستوردة، أصبح يشكل هاجساً لدى الكثير من الخبراء الزراعيين والاقتصاديين العاملين في هذا المجال، لا بل وأضحى حقيقة وواقعاً يبدو ظاهرياً من الصعب الوصول لحلول فرضياته من وجهة نظر الكثيرين.
وأضاف درويش: في الحقيقة، كثير من المقترحات ومن قبل العديد من الجهات، سواء البحثية أم الأكاديمية البحثية، وعبر العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت لإيجاد حلول تناسب هذا الواقع الزراعي لمحصول القمح، سواء ما طبق منها أم التي تنتظر التطبيق، فإننا ولتاريخه لم نلمس أي مؤشر إيجابي يرقى لتحسين واقع زراعة القمح وزيادة إنتاجه عامًا بعد عام.
هذا التراجع في مجمل الإنتاج من القمح في بعض المناطق وتصدر مناطق أخرى، يمكن أن تكون له أسباب عديدة، لذا كان لابدّ كما أشرنا من دراسة حالة هذا المحصول وبشكل سنوي والاستفادة من هذه الدراسات في تأمين بيئة زراعية مناسبة للقمح تضمن تحقيق أمن غذائي في المستقبل القريب.
هذا الواقع الصعب يتطلب من الجميع العمل وبشكل جدي في سبيل تذليل العقبات وإيجاد الحلول التطبيقية الناجعة وعلى أرض الواقع، والتي يعد أساسها إعادة بناء الثقة مع المزارعين، فالمنتج الذي لا يجد ريعية مناسبة أو الذي مني بخسارة لهذا العام قد يحجم عن زراعة هذا المحصول ويعتمد محصولاً آخر أكثر جدوى اقتصادية له.
إدارات خاصة
ولتسهيل تنظيم إجراءات زراعة وإنتاج محاصيل كهذه، برأي درويش، فإنه لا ضير في أن تكون هناك إدارات خاصة قد تكون مصغرة على مستوى وزارة الزراعة (كإدارة محصول القمح مثلًا) تعنى برسم خطط زراعته، تأمين مستلزمات إنتاجه، دراسة اقتصادية أسعار استلامه والكميات المسوقة منه وتقييم حالة الإنتاج السنوي، بما يساعد في اقتراح الحلول الخاصة بظروف زراعته عامًا تلو الآخر، وتشجيع زراعة تعاقدية أو حتى تشاركية مع المزارعين أو أي مقترح يعيد الثقة ويحفز على الاستمرار بزراعة وإنتاج هذا المحصول.