سباق المسافات القصيرة

مذ كنا صغاراً وإلى أن وعينا على هذه الدنيا، ونحن نعرف أن أعضاء مجلس الشعب ينطقون بلسان من يمثلونهم ويحسون بهمومهم فعلاً ويطالبون بمطالبهم، فهذا هو الهدف الحقيقي من الانتخابات، وكانت قلّة قليلة من يجرؤون على التقدم للترشّح، إلا من يجدون في أنفسهم الكفاءة حقاً لأن يكونوا عند الثقة وعلى قدر المسؤولية.

اليوم، بتنا نرى الواقع مختلفاً عند البعض، فما يحصل صار أشبه بسباق محموم، وإنه لغريب وعجيب فعلاً ذلك الاستسهال، فترى من هبّ ودبّ يريد أن يدخل ذلك السباق، ويصل إلى ” كرسي الوجاهة” بشتى السبل، إذ بات الترشح من عائلة واحدة “بالجملة”، فيتنافس الأب وابنه والزوج وزوجته و قد تطول عائلات، وهنا لا يهمّ من يفوز منهم، بل المهم أن يصل ولو واحد منهم!.

والبعض الآخر تجده “مستميتاً” للفوز، حتى لو كلفه هذا الأمر مئات الملايين وربما المليارات، وبعدها الله أعلم، وهنا مربط الفرس.

إذ بات غريباً ما يحدث فعلاً من ضخ مئات الملايين من قبل بعض المرشحين و”رشّها” هنا وهناك لضمان وصولهم إلى تحت قبة المجلس، فترى أبواب المضافات مشرّعة، ومئات الآلاف والملايين توزع لأناس وشباب سيروّجون لهم أسماءهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر قوائم يتم توزيعها على الناخبين في أماكن تواجد صناديق الاقتراع كلها.

وهنا نقول للناخبين: بالله عليكم، أشخاص بهذا الغنى الفاحش،  يبحثون عن شراء الأصوات ولا يهمهم كم سيكلف ذلك من مليارات، هل سيحسونّ بكم وبهمومكم ويطالبون بلسانكم؟

بالتأكيد لا فلم يعِش هؤلاء ماعشتموه ولا مرّوا بظروفكم، ولم ينقصهم يوماً شيء مما كان ينقصكم، فملياراتهم كانت كفيلة بأن تنأى بهم عن ظروفكم، ولم يشعروا يوماً بكم وبما تعانونه، وباتت غاياتهم معروفة من الوصول إلى تحت قبة المجلس، فلن يشعر بالفقير إلا فقير مثله ولا بـ”الموجوع” إلا من تألّم مثله.

أصواتكم أمانة، فلتعرفوا لمن تمنحونها فعلاً، لمن هو مثلكم، يمثلكم فعلاً ويطالب بلسانكم، ولمن كان مسكوناً بهواجسكم، هؤلاء من يستحقون، فلا تضيّعوا الفرصة عليهم وعلى أنفسكم، ولتكونوا عوناً لهم في إقصاء من بات يزاحم بشتى السبل للوصول إلى “الكرسي  الحلم” لغايات فردية وشخصية بحتة. ولتكونوا عند الأمانة التي اؤتمنتم عليها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار