الزراعة في مواجهة تداعيات التغيّر المناخي.. التنسيق مع دول الجوار مطلوب والتعويضات شملت 350 ألف أسرة بواقع 34 مليار ليرة

تشرين – محمد زكريا:

يشكل التغيّر المناخي أحد أبرز تحديات العصر، لما له من آثار سلبية على كل القطاعات التنموية المختلفة، أبرزها ندرة المياه والجفاف وتغيرات خطيرة في مستوى سطح البحر وحياة النبات وعمليات الانقراض الجماعي، كما يؤثر على المجتمعات البشرية.
ويحدث التغيّر المناخي بالمجمل بسبب رفع النشاط البشري لنسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة، كما يساهم تغيّر المناخ بشكل مباشر في حدوث حالات الطوارئ الإنسانية الناجمة عن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والعواصف الاستوائية والأعاصير.
وتشير الأبحاث الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن 3.6 مليارات شخص يعيشون بالفعل في مناطق شديدة التعرض لتغير المناخ، حيث توقعت الأبحاث للفترة الممتدة من عام 2030 إلى عام 2050، أن يسبّب تغير المناخ نحو 250 ألف حالة وفاة إضافية كل عام بسبب نقص التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، ولأن التغيرات المناخية عابرة للحدود وتأثيراتها لا تنحصر على دولة دون أخرى، فقد سعت الحكومة السورية ممثلةً بوزارة الزراعة إلى إيجاد بيئة عمل عربي مشترك من خلال التقاء المصالح، بما يحقق الفائدة للشعوب في تلك الدول، فكان من ثمار الجهد اللقاء الرباعي الذي جمع دول الجوار (الأردن والعراق ولبنان إضافة إلى سورية)، هو وضع خارطة طريق لعمل مشترك وفق مسارات محددة بطريقة علمية وعملية، تنهض بالقطاع الزراعي ابتداءً بالإنتاج وانتهاءً بتبادل السلع الزراعية المنتجة.

تأثيرات التغير
وحسب مدير صندوق الجفاف في وزارة الزراعة المهندس محمد أبو حمدان، فإن تأثير التغيّر المناخي على المحاصيل الزراعية كبير، حيث يمكن أن يؤثر على زيادة أو خفض كمية المحاصيل المزروعة حسب النوع المزروع، وما يتطلبه من ظروف مناسبة لنموه بشكلٍ سليم، حيث تعمل درجات الحرارة الشديدة وزيادة هطول الأمطار على منع نمو المحاصيل بالشكل الأمثل، ما يتسبب في حدوث خسائر كبيرة بالإنتاج الزراعي، فمثلاً تساهم كلّ من الفيضانات، كالتي حدثت في محافظتي طرطوس وحمص، أو موجات البرد والصقيع في حدوث أضرار كبيرة وخسائر جسيمة في قطاع الزراعة (أصول الإنتاج مثل الأشجار والبيوت المحمية على سبيل المثل وفي الإنتاج الزراعي المنتظر)، كما تعمل التغيرات المناخية على نمو الحشائش والنباتات الغازية وانتشار الأوبئة والآفات، ما سيؤدي إلى التأثير السلبي على نمو المحاصيل وكمية الإنتاج الزراعي، كما يتسبب في نفوق الكثير من رؤوس الثروة الحيوانية أو بيع المربين للقطيع الذي يملكونه ليذهب إلى الذبح لعجزهم عن تأمين الأعلاف لتغذيته.

أبوحمدان: سعت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى تطوير نهج تشاركي حيوي فعال

وأضاف أبو حمدان: إن التغير المناخي يساهم في إحداث اختلالات في الأمن الغذائي العالمي، حيث يمكن أن يؤدي شح الطعام والمياه وسلامة النظم البيئية إلى تحديات خطيرة، قد يتعرض لها الجميع بهدف الحصول على هذه الموارد والتي تعد أساس الحياة، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في مختلف المجتمعات وتأجيج النزاعات العرقية والصراعات المختلفة، حيث تعتبر سورية من المناطق الجافة وشبه الجافة، وتعاني من شح في موارد المياه نسبة إلى عدد السكان وقد شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية الكثير من الحوادث والكوارث الطبيعية التي نشأت عن تغير المناخ وتأثيره على المنطقة ككل.

سياسات زراعية
وأشار أبو حمدان إلى أن السياسات والخطط الزراعية السابقة نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وخاصة في مخزوننا الإستراتيجي من القمح، وعمرت صوامعنا باحتياطي يؤمن احتياجنا لعدة سنوات، وذلك نتيجة تحسين مدخلات الإنتاج، وخاصة البذار المحسّن وخبرة الفلاحين في زراعة المحاصيل، وخاصة الاستراتيجية منها، وزيادة المساحات المروية واستصلاح الأراضي وتطوير البنى التحتية وشبكات الري الحكومية في المناطق الزراعية، وتطوير الخدمات الموجهة إلى القطاع الزراعي (بحوث – إرشاد – تمويل – رعاية صحية وبيطرية …وغيرها)، كما تمت إعادة هيكلة عمل وزارة الزراعة بما يتوافق مع السياسات المحددة للقطاع لتحقيق تنظيم العمل الفني والخدمي، منوهاً بأن القطاع الزراعي عانى من التغيرات المناخية وظروف الجفاف التي سبقت الأزمة التي تشهدها البلاد منذ عام 2011، وتأثيرات جائحة كورونا لاحقاً، والعقوبات أحادية الجانب المفروضة على سورية، والأزمات في دول الجوار، ما أدّى إلى تضييق كبير في نطاقات التحرك الممكنة لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الزراعية والحد من آثار الأزمات المتلاحقة على المواطن. وبناءً على ذلك، فقد سعت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى تطوير نهج تشاركي حيوي فعال، عبر إقامة ملتقيات لمناقشة التحديات التي يعاني منها القطاع الزراعي والفرص المتاحة أمام النهوض بهذا القطاع.

دروس مستفادة
ولفت أبو حمدان في حديثه لـ”تشرين” إلى أن الوزارة استفادت من الدروس والتجارب السابقة لوضع خطة مرنة قابلة للتعديل وفق المتغيرات التي تحيط بتنفيذها، مثل (التأثيرات السلبية للتغير المناخي الذي رافق عام القمح موسم 2020 – 2021 والتغيرات المناخية التي أرخت بظلالها الثقيلة على تنفيذه مثل انحباس الأمطار خلال النصف الثاني من آذار العام الحالي، وهي سابقة لم تشهدها البلاد من قبل، ما أخرج المساحات المعتمدة على مياه الأمطار من الإنتاج، وترافق ذلك مع قطع لنهر الفرات من الجانب التركي وانخفاض منسوب النهر، الأمر الذي انعكس على إنتاج الزراعات المروية في تلك المنطقة).

تعويضات الصندوق
وأشار إلى أن صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي يتولّى التعويض عن الأضرار التي تصيب الإنتاج الزراعي للفلاحين نتيجة الجفاف والكوارث الطبيعية أو الأحوال المناخية التي لا يمكن إيقافها أو تفاديها، مثل (الصقيع- السيول- العواصف الترابية- البرد- الرياح الشديدة- الشدات المطرية- الجوائح المرضية على الزراعات أو الثروة الحيوانية )، وينجم عنها خسائر تزيد على 50% في الإنتاج الزراعي، إضافة إلى تجاوز المساحة المتضررة 5 % من مساحة الوحدة الإدارية بالنسبة للإنتاج النباتي، ويحسب التعويض من تكلفة الإنتاج فقط، حيث بلغت التعويضات من تاريخ 2013 ولغاية تاريخه حوالي 34 مليار ليرة، واستفادت منها حوالي 350 ألف أسرة متضررة نتيجة الكوارث الطبيعية، موضحاً أنه يتم سبر ومراقبة الكوارث الطبيعية ودراستها ومتابعة تكرار هذه الظواهر، من خلال سلسلة زمنية وتحديد الجدوى الاقتصادية والفنية من التعامل معها والأسلوب المتبع للحد من تأثيرها بالاستفادة من البحوث الزراعية ومجموعة الأبحاث المتعلقة بهذا الشأن، مثل استنباط أصناف مقاومة للجفاف على سبيل المثال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار