من الحيوية إلى السكون معاهد الثقافة الشعبية.. طريقة تطبيق القرار الجديد في الظروف السائدة وغياب الاهتمام أديا إلى تراجع كبير بدور المعاهد

تشرين – خليل اقطيني: 

شكل القرار 314/5/848 الصادر عن وزارة الثقافة، والقاضي برفع “بدلات الاشتراك” في دورات معاهد الثقافة الشعبية، صدمة ليس للمشاركين في تلك الدورات فحسب، وإنما للقائمين على المعاهد والدورات التي تقيمها.

وذلك لأن القرار صدر وبعض الدورات قائمة، من دون تحديد تاريخ دخوله حيز التطبيق. الأمر الذي دفع مشرفي الدورات القائمة إلى الطلب من المشاركين فيها مبالغ مالية إضافية تنفيذاً لذلك القرار. ما أدخل الطرفين -المشرفين والمشاركين- في جدل بيزنطي مازال مستمراً حتى لحظة إعداد هذه المادة الصحفية، من دون الوصول إلى نتيجة.

محافظة الحسكة نموذجاً ..الملاذ للشباب الفقراء لتعلم مهنة تدخلهم سوق العمل 

لكل حجته

المشاركون في الدورات رفضوا التسديد، لأنهم سبق أن دفعوا بدل الاشتراك أثناء التسجيل في الدورة. فكيف وعلى أي أساس يطالبهم مشرفو الدورات بتسديد مبالغ مالية إضافية، والدورات شارفت على الانتهاء؟. حسب ما ذكره لنا بعض المشاركين في دورات معهد الثقافة الشعبية في الحسكة، طالبين منا عدم ذكر أسمائهم.

وأوضح هؤلاء المشاركون أن هذا القرار يجب أن يُطَبّق على الدورات الجديدة، لا على الدورات القائمة، ولاسيما أن بعضها شارف على الإنتهاء.

وبقي هؤلاء المشاركون مصرين على موقفهم، ولم يسددوا أي مبلغ إضافي، غير آبهين بتهديد أمين سر معهد الثقافة الشعبية في الحسكة عز الدين الفرج بعدم تسليمهم شهادة اتباع الدورة.

ليس هذا فحسب، وإنما عَزَفَ المشاركون عن متابعة حضور ما تبقى من الدورات المشاركين فيها. وذهبت كل النداءات التي أطلقها الفرج لحثهم على الالتحاق بالدورات، واستئناف حضورها وتسديد المبالغ الإضافية المترتبة عليهم بموجب القرار آنف الذكر، أدراج الرياح.

الفرج أوضح لنا أن القرار القاضي بزيادة بدلات الإشتراك في دورات معاهد الثقافة الشعبية الصادر عن وزارة الثقافة “واجب التنفيذ فوراً. ورغم أننا سبق أن استوفينا بدلات الاشتراك في الدورات المعلن عنها من المشاركين فيها، كان علينا استيفاء الفرق بين ما نص عليه القرار القديم وما نص عليه القرار الجديد من المشاركين”.

وبرر الفرج قيامهم باستيفاء مبالغ مالية إضافية من المشاركين، بأنهم -أي المشرفون على الدورات- يحوّلون بدلات الاشتراك إلى وزارة الثقافة عن كل مرحلة من مراحل كل دورة، وهي 3 مراحل. وبما أن الدورات بقي منها المرحلة الثالثة والأخيرة، يتوجب على المشاركين تسديد مبلغ إضافي هو 18 ألف ليرة، متضمناً مبلغ 5 آلاف ليرة رسم شهادة التخرج. وذلك لأن “بدل الإشتراك” في دورات معاهد الثقافة الشعبية أصبح 24 ألف ليرة، عن كل مرحلة.

مازال رمزياً

من وجهة نظرنا حتى المبلغ الذي نص عليه القرار الجديد، القاضي برفع “بدلات الاشتراك” في دورات معاهد الثقافة الشعبية، قليل. ولا يستحق كل هذا الجدال والنقاش. ولاسيما أن بدلات الاشتراك في نفس الدورات التي تقام خارج معاهد الثقافة الشعبية تعادل أضعاف هذا المبلغ. وبالأساس تعد بدلات الاشتراك القديمة والجديدة في دورات معاهد الثقافة الشعبية رمزية. ورمزيتها هي أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع دور معاهد الثقافة الشعبية. لأنها غير مجزية للمدربين، في ظل الظروف الاقتصادية السائدة حالياً.

لابد من معالجة المشكلات القائمة وخلق آليات جديدة لبث الروح في جسد المعاهد المتهالك

لكنها في المقلب الآخر تعد رمزيتها هذه الدافع للكثيرين للالتحاق بالدورات التي تقيمها هذه المعاهد، وخاصة أبناء الشريحة الفقيرة، الباحثين عن دورة تدريبية من الممكن أن تمكّنهم من الحصول على فرصة في سوق العمل. ولاسيما أنهم لا قبل لهم على تحمل بدلات الاشتراك في دورات المعاهد الخاصة، ما جعل معاهد الثقافة الشعبية هي الملاذ بالنسبة لهم.

يضاف إلى ذلك طريقة تطبيق القرار الجديد. فمشترك في دورة ما من دورات معهد الثقافة الشعبية، كانت سعادته غامرة عندما علم بوجود دورات علمية ومهنية تقيمها معاهد الثقافة الشعبية بأجور رمزية، معتبراً ذلك فرصة عليه عدم إضاعتها، فسارع إلى التسجيل في إحدى تلك الدورات. وواضب على الحضور، وما إن بلغت الدورات مرحلتها الأخيرة، وهي على أبواب الانتهاء، يفاجأ بالمشرفين عليها يطالبونه بتسديد مبلغ إضافي، بذريعة أن الوزارة زادت بدلات الاشتراك في دورات معاهد الثقافة الشعبية. ما شكل ردة فعل لدى المشاركين في الدورات القائمة، لأنهم سبق أن دفعوا بدلات الاشتراك كاملة أثناء التسجيل.

والحل لهذه المشكلة -البسيطة من وجهة نظرنا- هو تطبيق قرار زيادة “بدلات الاشتراك” في دورات معاهد الثقافة الشعبية على الدورات الجديدة، لا على الدورات القائمة.

نحن والمعهد جيران

لكن يبقى هذا القرار، وردود الأفعال عليه، يعكسان الوضع المزري الذي آلت إليه معاهد الثقافة الشعبية في سورية، في السنوات الأخيرة.

فمعهد الثقافة الشعبية في الحسكة يقع في نفس البناء الموجود فيه مكتب صحيفة تشرين. ما أتاح لنا الفرصة لمعايشة وضع المعهد عن كثب وعن قرب، ومعاصرة كافة المراحل التي مر بها، منذ سنوات طويلة، وصولاً إلى هذه المرحلة.

إذ مازال الضجيج الناجم عن حركة المشاركين في الدورات التي كان يقيمها المعهد، يصم آذاننا من كثرتهم. فقد كانت تلك الدورات تشهد إقبالاً واضحاً.

لكن هذا الإقبال تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة، إلى أن أصبح شبه مقطوع، بدليل أن إقامة أي دورة تحتاج إلى مدة زمنية طويلة حتى يكتمل العدد اللازم لافتتاح الدورة، وهذا العدد هو ضمن الحد الأدنى طبعاً.

ولاشك أن الظروف السائدة في المحافظة، والناتجة عن الحرب الكونية على سورية، هي التي ألقت بظلالها على واقع العمل في معاهد الثقافة الشعبية، محوّلة إياها من شعلة من النشاط والحيوية، إلى مجرد مقرات خاوية وخالية من الحياة.

حلول متعددة.. ولكن

مدير معهد الثقافة الشعبية في الحسكة خليل خلف الحمود، ذكر لنا أن من بين الأسباب التي أدت إلى تراجع دور هذه المؤسسات، الوضع الاقتصادي. إذ أصبحت أجور المدربين غير مجزية على الإطلاق، وقليلة جداً.

مؤكداً أنهم شرحوا هذه الحالة للقائمين على معاهد الثقافة الشعبية في وزارة الثقافة، وطالبوا بكتب رسمية بزيادة بدلات الإشتراك في دورات المعاهد. حتى يتم رفع أجور المدربين.

ليس هذا فحسب، وإنما قدمنا حلولاً أخرى -يضيف الحمود- منها تعيين مدربين في المعاهد، بحيث يصبح المدرب موظفاً في المعهد وملزماً بتدريب المشاركين في الدورات، لقاء الراتب الذي يتقاضاه.

وثمة مقترحات وحلول أخرى قدمناها، من بينها إقامة تشاركية مع المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، بحيث تقدم معاهد الثقافة الشعبية المقر، وتتولى المنظمات والجمعيات دفع أجور المدربين وتقديم ما ينقص من مستلزمات. ومازلنا بانتظار الموافقة على أحد هذه الحلول.

أيام اللولو

أما مدير معهد الثقافة الشعبية في القامشلي فهد القاطع، فبين أن معاهد الثقافة الشعبية في محافظة الحسكة لعبت دوراً مهماً في المجتمع منذ تأسيسها في عام 1975. فقد خرّجت أعداداً كبيرة من الشباب نزلت إلى ميدان العمل.

ولمواكبة العصر كانت المعاهد على الدوام تحدث دورات جديدة تلبية لحاجة سوق العمل. وهي دورات تعليمية ومهنية كاللغات والحاسوب والتثقيف الصحي والخياطة الرجالية والنسائية وإصلاح الجوال.. الخ.

ويؤكد القاطع أن الأزمة السورية ألقت بظلالها على عمل وأداء ودور معاهد الثقافة الشعبية. التي تأثرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب انقطاع الكهرباء والماء وارتفاع أجور النقل وصعوبة انتقال المتدرب من مكان إلى آخر. وتدني أجور المدربين وارتفاع الأسعار وقلة بدل الاشتراك الذي لايساعد على تأمين حاجات المعهد وتطويره. ولاسيما أنه لايوجد اعتمادات خاصة بالمعهد في موازنة مديرية الثقافة. إلى جانب قيام بعض الجهات الخاصة بافتتاح معاهد منافسة.

ويقترح القاطع لتطوير معاهد الثقافة الشعبية زيادة أجور المدربين، وتعيين مدربين لكافة الاختصاصات، ورصد اعتمادات لمعاهد الثقافة الشعبية في موازنات مديريات الثقافة، كون حصة المعاهد من رسوم الاشتراك لاتفي بالغرض، ولابد من إعادة دورات الحلاقة الرجالية وقص وتجميل الشعر للإناث كونها من أهم الدورات حالياً.

نشاطات بجهود شخصية

وذكر مدير الثقافة عبد الرحمن السيد أن الوزارة فوضت مديري الثقافة بالتوقيع على الشهادات، ما سَرّع إنجازها. وهي شهادات وزارية ومعترف بها في سوق العمل، وهذا أحد أسباب الإقبال على الدورات التي تقيمها معاهد الثقافة الشعبية.

وأكد السيد أن نشاط معهدي الحسكة والقامشلي يتم بجهود شخصية مع المدربين. حيث طالبنا بزيادة تعويضاتهم، وسنقوم بتفعيل الجانب الفني الموسيقي، بعد صيانة الآلات الموسيقية وسنبدأ بآلة البيانو والعود والاورغ والنوطة الموسيقية. وثمة توجه لتفعيل دورات التريكو كونها الأقرب لسوق العمل.

التدخل بدلاً من التفرج

من الواضح أن الظروف السائدة، والناجمة عن الأزمة الحالية، هي السبب الرئيس بتراجع دور معاهد الثقافة الشعبية في المجتمع.

لكن ما زاد الطين بلة، هو لا مبالاة الجهات المعنية بوضع هذه المعاهد. وعدم المبادرة إلى معالجة المشكلات التي اعترضت طريقها وإزالتها. وهنا مربط الفرس. حسب ما فهمنا من الحوارات التي أجريناها مع القائمين على بعض تلك المعاهد.

فالأزمة السورية ألقت بظلالها على جميع مفاصل العمل والقطاعات في البلاد، ومنها القطاع الثقافي ومعاهد الثقافة الشعبية تحديداً. لكن الكثير من الجهات لم تكتفِ بدور المتفرج على تلك المشكلات، وهي تفتك بقطاعات حيوية بالنسبة للدولة والمجتمع على حد سواء.

فانبرت لتلك المشكلات وواجتها، وأوجدت الحلول الناجعة لها، ما جعل العجلة تدور في تلك القطاعات، ولو بالحد الأدنى.

وهذا ما كان يجب أن يحصل لمعاهد الثقافة الشعبية من قبل وزارة الثقافة. إذ لابد من دراسة الواقع الحالي لتلك المعاهد، وتشخيص المشكلات التي تعاني منها، ومعالجتها.

وليس هذا فحسب، وإنما إيجاد وخلق آليات جديدة لتطوير عمل وأداء تلك المعاهد نحو الأفضل، وبما يُمَكّنها من استعادة زمام المبادرة، والحفاظ على موقع الريادة في خدمة المجتمع في جميع المجالات. وفي مقدمتها تخريج أفواج جديدة من الشباب وزجهم في سوق العمل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار